بيار أبي صعب
قررت جمانة حدّاد ذات يوم أن تحاور بيتر هاندكه. نعم هكذا، بكلّ بساطة: شاعرة وصحافية لبنانية، قارئة متمهّلة لأعمال هذا الكاتب النمساوي، وتريد أن تنقل تجربته الى القارئ العربي، عبر حوار أدبي طويل تنشره في “ملحق النهار”. ما همّ أن يكون هذا الأديب، الملعون في أوروبا بسبب مواقفه من الحرب اليوغسلافية، غير متحمّس للحوارات الصحافية. ستطارده جمانة حتّى الضاحية الباريسية البعيدة التي انعزل فيها... لتسأله عن جراح الفرح، وحفيف الأوراق في بستانه...
هذه المغامرة كررتها زميلتنا مع كتّاب معاصرين، بعضهم من أصحاب نوبل، من دون أن يرفّ لها جفن. أمبرتو إيكو وجوزيه ساراماغو، ماريو فارغاس يوسا وباولو كويلو... أنطونيو تابوتشي وإلفريده يلينك. من غيرهم؟ إيف بونفوا طبعاً. ولا ينبغي أن ننسى بول أوستر... من خلال هذا الجهد الذي يتجاوز في أحيان كثيرة العمل الاعلامي العابر والآني، حققت جمانة حدّاد مكانة خاصة في عالم الصحافة الأدبية والثقافيّة الذي بات للأسف، منذ سنوات طويلة أشبه بمستنقع آسن يجترّ نفسه، ويتغذى من بقاياه، ويعيد انتاج نماذج وأشكال ولغات وقوالب وخناقات قديمة، منقطعة عن العصر، تجاوزها الزمن، وجفّت منها الحياة.
أصدرت “دار النهار” البيروتيّة كتاباً بعنوان “صحبة لصوص النار” ضمّ أبرز الحوارات التي أجرتها جمانة حدّاد خلال السنوات الماضية التي شهدت دخولها الساحة الثقافية. تعيد الشاعرة الاعتبار الى فن الحوار الأدبي، وتذكّرنا أنه جهد وطقس وصنعة! وتعيد الاعتبار الى مهنة الصحافة الثقافية، بصفتها متعة أولاً، وفن نقل “العدوى” إلى القارئ. تذكرنا أخيراً بكسلنا، فمعظم ضيوف جمانة كنت أتمنّى محاورتهم (باستثناء الطاهر بن جلون الذي لا يستحق، وريتا دوف التي لم أكن أعرفها).