فحص طوبوغرافيا المدينة وهوامشها، سيقوده لاحقاً إلى تلمّس جوانب أخرى لا مرئية، على الأرجح بسبب فقدان الأمل والخيبة، وإذا بالمدينة كثبان رمل وماء وغبار وطين: «كالمدينة هو: يعبرها مسافرون، وقاطنون، وغبار، وطين، وبرد» (إحدى وعشرون طلقة للنبي).
أثار انتباه النقّاد إلى تجربته السردية في القصة والرواية كشاهد على تحوّلات عمّان في طبقاتها المتعدّدة
في روايته «أرض اليمبوس»، سيوسّع أرض الأسئلة قائلاً «لن تتخلص من كومة الأسئلة، مثلما لن أتخلّص منها بدوري، غير أن سؤالاً يبقى يلح علينا ولن نعثر على جواب له، لن تكتمل الإجابة لأنه، وكما قال الأب، لا شيء يكتمل. سنبقى نقبض على شيء في يد، وعلى خواء في الثانية. أما نحن ففي الوسط. لسنا هنا ولسنا هناك. لسنا في الجنة، ولسنا في الجحيم. أفي الأرض الحرام نحن؟ أفي مطهر اليمبوس سنبقى نراوح حائرين؟ والحيرة متاهة». حيرة ستنعكس على نصوصه الهجينة، حيرة الشعر في مهبّ الحكي، ذلك أن جيل هزيمة حزيران 67 وجد نفسه في متاهة لا نهائية، وفي المقابل كان عليه أن يستثمر الكثافة اللغوية لتصدير بلاغة مضادة، وقلقٍ أصيل، من دون الاتكاء على وصفة نهائية: «إني من المتحمسين للكتابة الهجينة ما دامت تمنحني إحساساً بالجمال، وتبرهِن لي أنَّ تجنيساً معروفاً ومألوفاً ومعتاداً لا يصلح لأن يكون بيتاً لها. تمثّلُ الهُجنةُ والخلاسيات أمثلة جميلة وجذّابة على قيمة الاختلاف والتعدد، في النصوص كما في الحياة، عندما ينتهي انصهارها الطوعي الواعي إلى إغناء حياتنا». ربما علينا أن نستعيد كتابه الأخير «رسائلنا ليست مكاتيب». فرسائله المتبادلة مع الكاتب الراحل مؤنس الرزاز، تضيء جوانب أخرى من التجربة.