نادراً ما نرى هذا الالتزام الراسخ بخصائص سينمائية واضحة في قصة متكررة كثيراً. «رجل الشمال» فيلم عميق جداً يُظهر الفايكينغ بعيداً عن الترفيه وبأسلوب منمّق جداً تظهر كل ضراوتهم وحياتهم وآلهتهم. قد تبدو الحكاية بسيطة في البداية، ولكنها تتحوّل بطريقة مفاجئة. يبدأ الفيلم بطريقة مشابهة لكثير من الأفلام من هذا النوع، ليغرقنا إيغرز لاحقاً في المأساة ويترك قوى الطبيعة والسحر والميثولوجيا تضربنا، كما يضربنا رذاذ البحر البارد وحرارة البركان الحارقة وقساوة الليل. فيلم يأسرك من المشهد الأول ويتطوّر، لتجتمع فيه الجماليات وسمو العظمة البصرية والسمعية التي تلتصق بشبكة العين وطبلة الأذن.
بساطة القصة تكفي لتجنب البلاغة السينمائية التي لا حاجة لها ودائماً ما تستعمل في مثل هذه الأفلام. ولكن في لحظات معينة لا تتعدى الخمس عشرة دقيقة، يقع إيغرز فريسة لروعته البصرية وجلالة أفكاره ويكشف إطاراً درامياً مجوّفاً إلى حد ما، ينتصر فيه الأسلوب على المحتوى. لعب المخرج بين الحقيقة والهلوسة وأوصل المعتقدات إلى مستوى الوهم. مزج السحر والطقوس وسيوف الانتقام والقتال وشجرة العائلة الملكية ومواجهة الواقع بجرعات ضخمة من العنف، حيث صرخت الشخصيات على بعضها البعض، وتحوّل الإنسان إلى حيوان، وبصق المقاتلون وهدروا بشكل هستيري. منح هذا الأسلوب مساحة لعب فيها المخرج في المكان الذي يحب، مع الحيوانات والطبيعة والإنسان العاري حول النيران ودمجها مع الصور الدموية لطقوس الموت والتضحيات على الرغم من أنّ الفيلم هو دائماً قصة انتقام في سياق السيف والشعوذة.
أعجوبة بصرية وسمعية وتحفة تقنية جميلة وقاتمة ووحشية
محاولة الحصول على أقصى درجات الدقة التاريخية تعدّ إحدى السمات الرئيسية للمخرج، إنه مهووس بالمعلومات والأفكار، مثقّف يتعمّق بالتاريخ التي ينقله على شاشته الكبيرة. كما أنه راقب أيضاً السينما السوفياتية الرائعة لألكساندر بتشكو مثل «سادكو» (1953) و«كاششي الخالد» (1945)، وقبل كل هذا ثلاثية الفايكينغ لهرافن غونلوغسون وقام بتحديثها بإقتراح نهج الانتقام الذي يشبه غرب كلينت ايتسوود. فعل ذلك بإيقاع فريد ويد بارعة تظهر أعجوبة تقنية جميلة وقاتمة ووحشية ودموية وملحمية.
كل الممثلين في الفيلم مذهلون، من أنيا تيلور جوي بدور أولغا، وبيورك بدور الساحرة سيرس، ووليام دافو بدور هيمير. ولكن جميعهم لم يسرقوا مشهد واحداً من ألكسندر سكارسجارد، المتوحش دائماً، الحيواني الذي لا يرحم، نتوقف حرفياً عن رؤية الإنسان فيه، لا نرى سوى أعين لا تريد سوى الانتقام. فقد تماماً نفسه في الشخصية، أكله الذئب ويا له من ذئب. الشخص الوحيد القادر على التفوق عليه هو نيكول كيدمان، إنها آلهة لا تسمح للبشر المتواضعين لمسها، يتناقض مظهرها الملائكي بقوتها الشريرة عندما امتلكت الشاشة في ذلك المشهد الذي لا مثيل له عندما تواجه ابنها.
كل شيء في الفيلم يقودنا إلى المشهد الأخير المجيد، أمليث لا يحتاج إلى زيّ فخم أو رداء قتال من أجل الانتقام لمن يحب. في الواقع لا يحتاج إلى الملابس، يمكنه القتال عارياً. «رجل الشمال» ليس جديداً، ولكنه بعيد عن كل شيء، نشعر كأنه فيلم آخر من مكان آخر، لا تُصنع أفلامُ مثل هذا كل سنة، ولا كل عشر سنوات.
The Northman في الصالات