القاهرة | تحظى القصص الحقيقية عادةً باهتمام الجمهور إذا تحولت إلى دراما، سواءً عبر السينما أو التلفزيون. ويزيد الاهتمام إذا كان الأمر متعلّقاً بجرائم اقشعرّت لها الأبدان. على الرغم من ذلك، يُعدّ مسلسل «سفّاح الجيزة» مغامرة حقيقية بالنسبة إلى صنّاعه ولمنصة «شاهد» السعودية التي تراهن عليه بقوّة لإعادة استقطاب المشاهدين بعد فترة هدوء استمرّت أكثر من ثلاثة أشهر، وأعقبت شهر رمضان. ويزداد هذا الرهان، متى علمنا أنّ المنصّة أخفقت في استقطاب المشاهد المصري في جديدها «سيب وأنا سيب» (تأليف رنا أبو الريش، وإخراج وائل إحسان)، خلافاً لأعمال أخرى عدّة قدّمتها حصرياً قبل شهر الصوم، مثل «الغرفة 207» (اقتباساً من رواية «سرّ الغرفة207» لأحمد خالد توفيق، وسيناريو وحوار تامر إبراهيم، وإخراج محمد بكير) و«وش وضهر» (تأليف مريم نعوم، وسيناريو وحوار أحمد بدوي وشادي عبدالله، وإخراج مريم أبو عوف) والسلسلة الكوميدية الأشهر «اللعبة» (فريق كتابة بإشراف فادي أبو السعود، وإخراج معتز التوني).مغامرة «سفاح الجيزة» لا تتوقّف عند إسناد الشخصية الرئيسية لممثل كوميدي في الأساس، يفترض أن يقنع الجمهور بأنّه قاتل متسلسل نجح في الهروب من حبل المشنقة قرابة خمس سنوات تمكّن خلالها من ارتكاب أربع جرائم قتل، بل كون طبيعة التفاصيل ودموية البطل تضع أعباءً على كاهل المخرج هادي الباجوري في تقديم الجرائم بشكل لا يثير تحفّظ المشاهدين، وخصوصاً أنّ معظم الضحايا هنّ سيدات.
أظهر العرض الصحافي أنّ الباجوري وفهمي تجاوزا التحدّي، على الأقل في أولى الحلقات الثماني التي يتكوّن منها العمل. إذ اختار فريق الكتابة (محمد صلاح العزب وإنجي أبو السعود وعماد مطر) أن تكون البداية بعد الجريمة الأولى، حيث لا يعرف المتفرج سبب قتل السفّاح زوجتَه، لكنه يشاهده في المشهد الأخير وهو يقتل «سيّدة لعوب» بدم بارد. وبين مشهد وآخر، اشتغل فريق المسلسل على كشف ملامح شخصية البطل تدريجاً، سواءً الداخلية، إذ تجعله أزمة ما كارهاً للسيدات بالإضافة إلى عقدة ترتبط بماضي والدته، فيما نراه خارجياً هادئاً وذكياً يجيد التنكر وانتحال الشخصيات، كما أنّه طاهٍ ماهر يجيد استخدام السكين. حتى إنّ فهمي خضع لتدريب على يد الشيف منى البنا لهذه الغاية.
تميّزت الحلقة التي سيتابعها الجمهور الليلة بالإيقاع السريع ومرونة التنقل بين أكثر من زمن، حيث يجمع السرد بين خطوط زمنية متباعدة عدّة، لكن تقاطعاتها تساعد المتفرج على استيعاب كيفية بدء الجرائم وما الذي دفع السفّاح إلى المضي قدماً والاستمرار، مع ترك العديد من علامات الاستفهام الكافية لجعل المتفرّج متشوّقاً لمشاهدة الحلقة الثانية.
حرص فريق العمل، وعلى رأسه الباجوري والعزب، على التأكيد بأنّ المسلسل ليس نقلاً حرفياً لقصة «سفّاح الجيزة»، وهو ما تظهره الحلقة الأولى التي تكون فيها الضحية الزوجة، بينما بدأ السفّاح الحقيقي بقتل صديقه. إلّا أنّ فريق الكتابة احتفظ بتفاصيل عدّة نقلتها الصحف فور سقوط السفّاح الذي حوكم على جرائمه بالمصادفة بعد اكتشاف مساعدته أنّه يحمل سبع بطاقات هوية مختلفة. حتى إنّ معظم أهالي الضحايا لم يتأكدوا رسمياً من وفاة ذويهم إلا بعد سقوطه كونه نجح في إقناعهم بعد كل جريمة بأنّ الضحية اختفت من تلقاء نفسها، إذ لم يكن يترك أثراً وراءه. هذه المهارة في التخفي، حافظ عليها القائمون على النص وظهرت منذ البداية، حيث مشاهد دفن الضحية الأولى في شقة سكنية واستخدام «مبرد كبير الحجم» للحفاظ على الجثة حتى دفنها وغير ذلك من تفاصيل.
إلى جانب أحمد فهمي، يمكن القول إنّ هادي الباجوري ـــ ووفقاً لما ظهر في الحلقة الأولى ــــ نجح في اختيار الممثلين، وفي مقدمتهم الأردنية ركين سعد التي ظهرت في علاقة غير مفهومة مع السفّاح ستتضح معالمها في الحلقات التالية. أما الاختيار الأبعد عن التوقعات، فيتمثّل في تجسيد باسم سمرة شخصية ضابط المباحث الذي يسعى لكشف سبب حالات الاختفاء، هو الذي حُصر في الفترة الأخيرة بشخصيات المجرمين فقط، فضلاً عن أسماء شابة ستلعب شخصيات الضحايا مثل جيهان الشماشرجي وداليا شوقي، وباقة من المخضرمين كصلاح عبد الله وميمي جمال وحنان يوسف. علماً أنّ الأخيرة تجسّد شخصية الأم التي يعاملها السفّاح بحنان بالغ، لكن ما في داخله تجاهها كفيل بأن تظهره الأيام المقبلة.

* «سفّاح الجيزة»: بدءاً من اليوم الجمعة على «شاهد»