حزب الله سيحصد سلبيات شدّ الحبال الأخير مهما كانت نتيجته
العقدة اليوم تتخطى هاتين الثابتتين، لتمسّ بجوهر العلاقة بين القوتين المسيحية والشيعية التي شهدت، رغم دخول حزب الله إلى سوريا، تهدئة ملحوظة، عززها ترشيح حزب الله لعون ومن ثم تمسكه به رغم ترشيح الحريري لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية. وهذا الأمر يحمل إشارات خطرة، يفترض بحزب الله أولاً وآخراً التنبه لها، لأنه سيحصد سلبياتها مهما كانت نتيجة شد الحبال الأخير.
في العامين الأخيرين، حاول عون تعيين قائد جديد للجيش، رفض بري ومعه المستقبل وبعض الشخصيات من قوى 14 آذار، بذريعة أنه لا يجوز تعيين قائد للجيش من دون وجود رئيس للجمهورية. لكن بري تجاوز تعيين موظف من الفئة الأولى، بغياب رئيس للجمهورية، ليطرح سلة تفاهمات مسبقة من دون وجود الرئيس أيضاً، ليصبح السؤال أيهما أهم، تعيين قائد للجيش، أم قانون الانتخاب، أم تقسيم الحصص الحكومية والوزارات السيادية منها تحديداً،على قاعدة اشتراط التمسك بوزارات ورفض إعطاء قوى سياسية مناوئة ما تطلبه، قبل الاتفاق على الرئيس الجديد والموافقة على عون؟ فهل يرفض بري فرض قائد الجيش على الرئيس الجديد لكنه يفرض عليه كل تلك الشروط المحددة في سلته؟
مبدأ السلة الذي ترفضه القوى المسيحية، يعود بالذاكرة إلى سلة الدوحة، التي اشترطت أيضاً على رئيس الجمهورية حصة وزارية محددة وسلسلة من التفاهمات المسبقة جعلت عهد الرئيس ميشال سليمان على ما كان عليه. بل إنها ضربت ما كان ينقل عن الرئيس الراحل رفيق الحريري، من أن لرئيس الجمهورية الثلث المعطل في الحكومة، وأن تشكيل الحكومة بيد رئيس الجمهورية وبيده صلاحية فرطها أيضاً، الأمر الذي صار بعد الدوحة في يد قوى 8 آذار.
اليوم مع اختلاف الظروف واختلاف شخصيتي عون وسليمان، يبدو تكبيل رئيس الجمهورية الجديد، أمراً تعجيزياً ترفضه القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وانضمت إلى رفضه بكركي. ومن دون النقاش في حيثيات السلة، (بعد تمسكه برفض عون) فإن نتائجها الأولية، جعلت القوى المسيحية تسحب اعتراضها على الحريري والمستقبل بعد أزمة الشهور الأخيرة، وتقف في وجه بري مرة أخرى، بعد أعوام التجاذبات والخلافات الدائمة بينهما. ومن شأن ذلك إعادة خلط الأوراق حتى على الأرض بين جمهورين.
فالرئيس سعد الحريري فتح باب النقاش والحوار حول ترشيح عون، أي إنه في المبدأ أعاد طمأنة الشارع القواتي والعوني بمحاولته السعي إلى ترشيح الزعيم المسيحي الذي اتفقت عليه القوتان. ويخوض حواراً مع التيار والقوات بشأن المرحلة المقبلة، وهو الحوار الذي يعترض عليه البعض، ومنهم بري، لكونه أيضاً يحدد إطارات مسبقاً للعهد. لكنه أبقى الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات مهما كان انعكاس مغامرته عليه حتى سعودياً. أما في المقلب الآخر، فيتمسك بري برفض عون، ويحدد له مسار العودة "إلى بيت الطاعة"، أي إلى مجلس النواب والحوار، مستفيداً من حاجة عون إليه في هذه المرحلة، وواثقاً من أن الحريري لن يحظى برضى سعودي، لإمرار ترشيح عون.
لكن خطورة اللعب على حافة العلاقة بين بري والمسيحيين، لن تقتصر ارتداداتها عليه وحده، لا بل إن شظاياها ستصيب حزب الله معه، ولا سيما أن القوات اللبنانية تُصرّ على تحميل حزب الله مسؤولية موقف بري وعدم إيصال عون إلى قصر بعبدا، وقد لاقاها الحريري بذلك أكثر من مرة. لكن الأخطر على الأرض أن يبدأ الجمهور العوني بتلمس خطورة ما يفعله بري من استجرار التعبئة وتوسع ارتداداتها، فهل هناك من يتحمل تبعات هذا التحول شعبياً؟