الزيارة لم تتعدَّ نصف يوم، وهذا ما فسّر غياب العلم السوري عن لقاء الأسد ــــ روحاني؛ إذ إن الرئيس نفسه علم بمجيء الضيف بعد وصوله إلى طهران بنحو ساعة، في حين أن غياب أعلام دول الضيوف عن مكتب «القائد» أمر اعتيادي. كذلك، منعت سرية الزيارة موظفي المكتب الرئاسي والمعنيين بالبروتوكول من التحضير للاستقبال وما يلزمه. أما الغائب الأبرز، فكان وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، الذي استقال ليلتها.
وبعدما انتشر خبر الزيارة على نطاق واسع، ووُزّعت صور اللقاءين الرئيسين، جرّ ظريف الضجة الإعلامية نحوه، عندما أعلن في حسابه على «إنستغرام» استقالته. مدٌّ وجزرٌ بين الدوائر السياسية في إيران، وتحليلات وتكهّنات كثيرة حسمها ظريف بقوله إن استقالته جاءت على خلفية غيابه عن الاجتماعات الرسمية، وحصولها من دون علمه، مع العلم أن الخارجية الإيرانية كانت على علم بزيارة الأسد لطهران منذ أشهر، لكنها لم تعلم التوقيت الدقيق لها.
كان «تغييب» ظريف، بالنسبة إليه، القشة التي «قصمت ظهر البعير»؛ إذ إن الخلافات بينه وبين روحاني تراكمت أخيراً، خصوصاً بعد تدخلات مدير مكتب الرئيس، محمود واعظي، الذي حضر اللقاء مع الأسد، في شؤون السياسة الخارجية منذ أشهر. وهي خلافات تبدأ من طريقة إدارة الملف النووي، مروراً بالتعامل مع الأوروبيين، وليس انتهاءً بملف «المعاهدة الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب»، التي وافق عليها مجلس الشورى، ورفضها مجلس صيانة الدستور، قبل تحويلها إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام.
احتمال التراجع عن الاستقالة المرفوضة هو الأقرب إلى التحقق
إذاً، استغلّ ظريف زيارة الأسد لإخراج استقالته إلى العلن، مع أنها لم تكن المرة الأولى التي يقدمها فيها، بل حدث ذلك ثلاث مرات متقاربة بشكل غير معلن، وكان روحاني يقابلها بالرفض في كل مرة. أما الاستقالة الأخيرة، فجوبهت بالرفض العام، بعدما وقّع أكثر من 150 نائباً عريضة طالبوا فيها الرئيس برفض الاستقالة. كذلك، لوّحت مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين بالاستقالة في حال خروج وزير الخارجية من المشهد. هكذا، حاول الجميع احتواء الموقف لإنهاء الأزمة، وتصدير «سوء التنسيق» كمخرج لروحاني من أجل الإبقاء على رجله الأقوى في الحكومة.
حتى الآن، لا مرشحين لخلافة ظريف، ولا حديث أساساً حول مَن سيتسلّم دفة الخارجية. الحديث يدور حصراً بين السلطات العليا: المرشد، الرئيس، مجلس الأمن القومي، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، حول الإبقاء على ظريف في مكانه، خاصة أنه حاصل على دعم كبير؛ فهو محسوب على الإصلاحيين، لكنه مقرب من المرشد، والسبب الرئيسي لمجيئه وزيراً للخارجية كان سعي ولايتي إلى ذلك، والأخير هو عرّاب عودته إلى منصة العمل الدولي بعدما كان قد انتقل إلى التعليم الأكاديمي، مع وصول الرئيس السابق، أحمدي نجاد، إلى الرئاسة.
الواضح أن احتمال التراجع عن الاستقالة المرفوضة هو الأقرب إلى التحقق. لكن مع ذلك، سيكون من شأن خطوة ظريف فتح الباب على تعزّز الخلافات داخل الجمهورية الإسلامية، على رغم متانة المنظومة الحاكمة.