البلبلة التي سبّبها دخول كريم إلى المشهد الانتخابي لتيار المستقبل، ليست المشكلة الوحيدة التي تواجهه. النائبة (السابقة) ديما جمالي، هي بحدّ ذاتها «عقبة» أمام «المستقبل» في طرابلس. فبعيداً عن الكاميرا التي تُرافقها في كلّ تحركاتها، يُجمع ممثلو القوى السياسية في المدينة على أنّ جمالي لم تتمكّن من خلق حالة شعبية «بعيداً عن الحركة الإعلامية». لا يزال يُنظر إليها «كعنصر غريب لم يتمكن من فهم نسيج المدينة». ولا يُعرف بعد إلى أي حدّ سينعكس سلباً، على جمالي، «الجوّ الإسلامي» الذي «يُفتعَل» ضد التصويت لها. قد يؤدّي ذلك إلى خفض عدد الأصوات التي ستنالها، ولكن ليس إلى حدّ تشكيل خطر على فوزها. يتحدّث مسؤولون طرابلسيون عن سبب رئيسي، هو «غياب خصم قوي، مع عدم بروز نية لدى فريق 8 آذار لخوض المعركة، ووجود صعوبة في تسويق مرشح للأحباش بشكل منفرد». يردّ مُرشح «الأحباش» طه ناجي بأنّ هذا الحديث «سابق لأوانه، فيصل أفندي وجهاد الصمد لم يحسما خياراتهما بعد، ونحن اتفقنا على أن نبقى على تشاور». لم يُعلن بعد ترشيحه بانتظار لأن «تظهّر معطيات عدّة، المعركة على مقعد شيء وعلى مقعدين أمر آخر»، مع تأكيد «جاهزيتنا وماكينتنا القوية».
النقطة الثانية التي تصبّ لمصلحة «المستقبل»، حسم رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أنّه لن يكون في الجبهة المعارضة لسعد الحريري، ولن يكون له مُرشح إن حصلت الانتخابات على مرشحين، «ميقاتي يُفكّر اليوم في وجود مشاريع يريد تأمينها لطرابلس، وبالتالي لن يُعرّض علاقته بالحريري لأي اهتزاز بسبب مقعد نيابي»، بحسب المعلومات، إضافةً إلى وجود اتفاق بين الاثنين، على أن يحصل ميقاتي على حصة من التعيينات الإدارية المركزية، والتعيينات في عاصمة الشمال. وتتردد معلومات عن رفع الغطاء عن رئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدين، «وانتخاب رياض يمق أو عزام عويضة بديلاً له». لا يقف ميقاتي مع الحريري بسبب علاقتهما التي باتت جيدة أخيراً والمصلحة منها وحسب، بل يتجاوز ذلك إلى رغبته في عدم إعطاء أي «تمريرة إيجابية» لفيصل كرامي، ومن خلفه فريق 8 آذار، بما يسمح للأخير بأن يقوي «موقعه السنّي في طرابلس». صحيحٌ أنّه بعد صدور قرار المجلس الدستوري بإبطال نيابة جمالي، أجاب ميقاتي على اتصال كرامي به، (كما تواصل مع الوزير السابق أشرف ريفي)، ولكن لا يُمكن القفز فوق الخلاف بين ميقاتي وكرامي على خلفية تشكيل التكتل النيابي. مع الأخذ بالاعتبار أنّ معركة احتفاظ تيار المستقبل بمقعد النائبة ديما جمالي ليست «معركة نجيب ميقاتي»، بمعنى أنّ الرجل لن يكون مُتحمساً لإعادة تفعيل ماكينته الانتخابية، على الصعد كافة.
قد يزور أحمد الحريري منزل كبارة ويعده بترشيح كريم في الدورة المقبلة
الانتخابات الفرعية في طرابلس لا تعني سوى الأحزاب والتيارات السياسية، الساعية إلى تثبيت مواقعها. «أبناء البلد»، همومهم في مكانٍ آخر، يتقاسمونها مع غيرهم من المواطنين. ليس في الأمر الجديد القول إنّ الطرابلسيين ناقمون. مضت سنوات على حالهم هذه، منذ أن تحولوا «وقوداً» لمعارك القوى السياسية في عاصمة الشمال، يجري «استغلال» ضعفهم المادّي للاستحواذ على أصواتهم الانتخابية، قبل أن تُقفل أبواب مكاتب الخدمات في وجوههم مرّة جديدة. بعد الانتخابات النيابية في أيار الماضي، عمد تيار العزم وتيار المستقبل وآل الصفدي وتيار الكرامة… إلى تخفيف نسبة الخدمات المُقدّمة (مساعدات نقدية مباشرة أو غير مباشرة) إلى الحدود الدنيا، وصولاً إلى حدّ «تجفيفها» في بعض الأحيان. لم يكن ربّما في حسبان السياسيين، أنّهم سيُجبرون على «مدّ اليد» مُجدّداً طلباً لأصوات الطرابلسيين. هذا الكلام يرد على لسان العديد من الناس في «الفيحاء»، للوصول إلى خلاصة أنّ «أبناء الأحياء الشعبية ناقمون، وغير مُبالين بالانتخابات الفرعية. قلّة ستعتبر نفسها معنية بالاستحقاق، ولا سيّما إذا لم يُعَد تفعيل الخدمات والمساعدات النقدية، وستكون نسبة الاقتراع متدنية جداً». هناك «ريبة» من تكرار سيناريو الانتخابات البلدية، الذي أدّى إلى فوز اللائحة المدعومة من أشرف ريفي. هناك تعاطف شعبي مع الأخير، خُلق بعد خسارته في «النيابة»، لكن مشكلته «معاناته من أزمة مادية، وانقطاع التمويل الإقليمي». حتى الخطاب السياسي الذي تميّز به ريفي، بات «ألطف» في المرحلة الأخيرة (عاد حالياً إلى رفع مستوى هجومه على حزب الله)، وبادر أكثر من مرّة باتجاه الحريري، ما يعني أنّه نزع عن نفسه بنفسه هوية «حامي إرث رفيق الحريري». يُعوّل ريفي على شغور مقعدين لترتفع إمكانية الخرق من ناحيته، وهو ينتظر تاريخ 14 آذار لإعلان موقفه «دعماً أو ترشيحاً»، مع تأكيد المقربين منه أنّه «لن يترك المقعد جائزة ترضية لأحد».