وللتوضيح، تقع منطقة أسفل جسر النيل الأزرق خارج حدود الاعتصام، وينتشر فيها عدد كبير من القوات النظامية، من جيش وقوى أمن، إلى جانب عناصر من «الدعم السريع». وعندما يحصل اشتباك بين هذه القوات، يروح ضحيَته معتصمون لأنهم يتجمعون سريعاً عند سماع إطلاق النار. لهذا، تناشد قوى «الحرية والتغيير» المعتصمين باستمرار عدم تجاوز حدود الاعتصام أمام مقار الجيش، فيما يرى البعض أن تمركز القوات في تلك المنطقة، التي يطلق عليها اسم «كولمبيا»، الغرض منه إثارة الفتن مع المعتصمين وجرّهم إلى خارج حدود الاعتصام.
ينتقل العسكر إلى مرحلة تصعيد جديد عنوانها أنه جزء من «الثورة»
وتزايدت تلك الحوادث بالتزامن مع الإضراب العام، الذي حقق في يومه الثاني «نجاحاً كبيراً بعد انحياز كلّ مؤسسات القطاعين الخاص والعام، ورفضهم محاولات المجلس منع بعض منسوبي المؤسسات من المشاركة»، كما أكد الأمين العام لـ«حزب المؤتمر السوداني»، عضو قوى «الحرية والتغيير»، خالد عمر يوسف، في حديث إلى «الأخبار»، مشيراً إلى أن «المضربين بعثوا رسالة واضحة إلى المجلس العسكري، مفادها أن لا سبيل غير قيام سلطة مدنية». وشدد خالد على ضرورة أن يكون التفاوض «وفق مواقف جديدة من قِبَل المجلس العسكري، يستجيب فيها لرغبات الشعب السوداني»، مؤكداً رفضهم «أي محاولة يسعى من خلالها المجلس إلى التمسك بالأغلبية في مجلس السيادة، أو الإصرار على رئاسته»، مستهجناً «لغة التهديد بالانتخابات المبكرة، التي لوّح بها نائب رئيس المجلس، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)»، ما اعتبره «انحرافاً عما نادت به الثورة»، مؤكداً أن «إجراء الانتخابات يتطلّب الوصول إلى اتفاق سلام مع الحركات المسلحة، وعودة النازحين واللاجئين إلى قراهم، ووضع قانون جديد للانتخابات، وإلغاء القوانين المُقيّدة للحريات».
تجاهُل «العسكري» نتائج الإضراب، التي مثّلت بحسب قوى «الحرية والتغيير» تفويضاً واضحاً من الحراك الشعبي لها، واعتباره أن التحالف المعارض لا يمثل الحراك الشعبي «مهما علا صوته» كما قال عضو المجلس، صلاح عبد الخالق سعد، أول من أمس، يشيان بأن العسكر انتقل إلى مرحلة تصعيد جديدة، عنوانها عدم أحقية الحراك الشعبي في قيادة المرحلة الانتقالية بعد إسقاط الرئيس عمر البشير، على اعتبار أن «الجيش وقوات الدعم السريع التابعة له، جزء من الثورة»، مثلما قال نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو، المُلقّب بـ«حميدتي»، والذي يحاول التشكيك في خيارات المحتجين، مطالباً إياهم بأن يعودوا إلى «خيارات الحرية والسلام والعدالة»، كشرط لتسليم السلطة للمدنيين. كما يتهم بعضهم تارة بأنهم يتخابرون ويعملون «مع دول خارجية» لم يذكرها، فيما يتحدث تارة أخرى عن أن من بينهم «أعضاء في حزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه البشير، والآن يتبنّون خيارات الثورة للهروب من المحاسبة». ويبدو «حميدتي»، في تصريحاته التي تتناقض مع بيانات المجلس الداعية إلى استئناف التفاوض، رأس حربة «قوى الثورة المضادة» كما يصفها قادة الحراك، في مواجهة «قوى الثورة»، سياسياً وعلى الأرض. وفي ضوء ذلك، طالب الرئيس السابق لـ«حزب المؤتمر السوداني»، القيادي في قوى «الحرية والتغيير»، إبراهيم الشيخ، في حديث إلى «الأخبار»، رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان، بـ«موقف واضح من بعض تصريحات قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي، باعتبارها مناوئة للثورة ومطالب الشارع»، داعياً في الوقت نفسه هذه القوات «إلى مراجعة موقفها وضبط خطابها وإظهار حسن النيات في دعمها للثورة وليس الثورة المضادة». ورغم ذلك، لم يستبعد الشيخ أن تكون هناك «استجابة عاجلة لمطالب الشارع والدولة المدنية بعد نجاح الإضراب»، و«الدعوة إلى اجتماع لاستكمال هياكل الحكم»، مستدركاً: «لكن إذا رُفضت هذه المطالب، وظلّت الحال كما هي عليه الآن، حينها لكل مقام مقال». من جهته، انتقد القيادي في حزب «البعث العربي الاشتراكي»، عضو قوى «الحرية والتغيير» محمد ضياء، زيارات أعضاء المجلس العسكري الخارجية، مشيراً إلى أن «هناك اتفاقات ذات طابع إقليمي غير متفق عليها بين المجلس وقوى الحرية والتغيير». ورأى، في حديث إلى «الأخبار»، أن «خضوع هذه الاتفاقات لمراجعة في مرحلة لاحقة، قد يسبّب إشكالات بين الطرفين». واعتبر ضياء أن المجلس العسكري تجاوز حقه، و«مارس صلاحيات سياسية من دون تفويض»، مضيفاً إن «هذه الممارسات أدخلت البلاد في محاور إقليمية، في وقت يريد فيه الشعب قيام علاقات إقليمية ودولية وفق المصالح المشتركة، من دون الالتزام بمحور محدّد يؤثر على سيادة السودان».