بذل قادة سياسيون ورجال دين شيعة جهوداً مفرطة للصلح بين المالكي والصدر، لكنهم لم يفلحوا في ذلك
إزاء ذلك، يصف القيادي في «الدعوة»، علي شلاه، الأحداث الأخيرة بـ«الخطيرة والفاشلة في الوقت نفسه»، معتبراً أن «أطرافاً داخلية وخارجية أرادت إشعالها لشقّ الصفوف، ولا سيما مع تحقيق حكومة السوداني نجاحاً كبيراً على الصعيدَين الأمني والخدمي». ويلفت شلاه إلى أن الهجوم على مقارّ حزبه كان «مفاجئاً لنا جميعاً، لأن بعض المباني التي هوجمت كانت تحمل صور الشهيدَين الصدريَين»، مضيفاً أن «الصدر الثاني نفسه اعتُقل في سبعينيات القرن الماضي، بتهمة الانتماء إلى حزب الدعوة». أمّا بخصوص قانون تجريم الإساءة إلى العلماء، فيشدّد الشلاه على ضرورة «ضبط فقراته بشكل جيّد وواضح، حتى لا يصبح فضفاضاً»، معتبراً في الوقت نفسه أن «إقراره هو الحلّ الأفضل لكلّ الأطراف المتنازعة، لأنه لو تُرك الأمر لقانون العقوبات السائد حالياً فسيكون حمّال أوجه، وبالتالي يصبح من السهولة التجاوز على المرجعيات والرموز الدينية». ويستبعد وصول الأمور بين المالكي والصدر إلى «حافّة الهاوية»، مبرّراً تقديره هذا بأن «هناك مرجعية السيستاني، وهي مؤثّرة على الجميع، وأيضاً لأن الطرفين يدركان أن الخروج عن الحدّ المسموح سيؤدي إلى كارثة للجميع، وخاصة داخل المكون الشيعي».
في المقابل، يرى فتاح الشيخ، وهو نائب سابق عن «التيار الصدري»، أن «ما يحدث من توتّرات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي ليس صراعاً مشخصناً كما يصف البعض، بل هو صراع الإصلاح والفساد الذي لا ينتهي إلّا بنهاية حكومة الأحزاب السياسية الفاسدة والتي تسلّطت على الحكم منذ عام 2005 حتى الآن». ويعتقد الشيخ أن «انتخابات مجالس المحافظات القادمة التي يتخوّف منها الإطار التنسيقي، أو الانتخابات النيابية القادمة، ستكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير». وبخصوص الخلاف الذي أدّى إلى الاشتباك الأخير، يدافع النائب «الصدري» السابق بأن «الصدر المرجع أسمى من أيّ تهمة يلصقها به عملاء الخارج والأجندة الخارجية، لأنه في الوقت الذي كانوا هم فيه خارج العراق يمارسون أجندة في مطابخ سياسية غير وطنية، كان السيد الشهيد المرجع محمد صادق الصدر يواجه الطاغية من داخل العراق، وهذا ما لا تَقرّ له عين مَن يمارسون دورهم الآن في العملية السياسية وهم منفّذون لأجندة خارجية». وفي هذا السياق نفسه، يوضح قيادي في «الصدري»، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ«الأخبار»، أن «ملتقى البشائر الذي يقوده النائب ياسر المالكي، أصبح وكراً للجيوش الإلكترونية لمهاجمة السيد مقتدى الصدر، رغم أنه اعتزل السياسة ولم يتدخّل أو يزعجهم وهم يتقاسمون الكعكة الفاسدة، ومع هذا لم يكتفوا بذلك، وإنّما قاموا بمهاجمة والده واتّهامه بالبعث وتعاونه مع صدام حسين». ويرى القيادي أن «الهجوم على المراجع وتسقيطهم خلفه غايات سياسية عميقة، وهي العزف على وتر إضعاف السيد مقتدى الصدر، خاصة بعد اعتزال المرجع الحائري في وقت حسّاس، وترك الصدر وحيداً»، محذّراً من أن «حرق مقار الدعوة وإنزال صور المالكي، ما هي إلّا رسائل إنذار لكلّ من يستهدف الصدريين ومرجعهم، سواءً أكان حزب الدعوة أو قوى الإطار التنسيقي الذي سكت عن هذه التجاوزات».
لكن عضو «ائتلاف دولة القانون»، جواد الغزالي، ينبّه إلى أن «التصعيد الأخير لو تطوّر ووصل إلى الاصطدام، فيمكنه الجرّ إلى فوضى على الصعيد الداخلي، في وقت نحن فيه في أمسّ الحاجة إلى الاستقرار والتهدئة». ويصف الغزالي الهجوم على مقارّ «الدعوة» بـ«غير المسؤول»، معتبراً أنه «كان بمحض إرادة الجماهير المنتفضة من دون الرجوع إلى قياداتها العليا، فضلاً عن أن هناك جهات تدفع إلى التصادم وخلق الفوضى بين التيار الصدري والدعوة». ويلفت إلى أنه «خلال اجتماعنا الأخير مع المالكي، أكدنا على تحقيق المصالحة مع الجميع، ولا سيما مع الأخوة الصدريين، كما أن هناك وساطات تهدئة بين الصدر والمالكي»، مؤكداً أن «البرلمان في صدد تشريع قانون تجريم الإساءة إلى العلماء والرموز خلال الأيام المقبلة... وهذا القانون سيحافظ على كرامة الجميع، وسيعاقب المسيئين إلى كبارنا ومراجعنا».
أمّا الباحث في الشأن السياسي، مجاشع التميمي، فيعتقد أن «ترحيل الخلافات من الفترات الماضية، قد يكون السبب الرئيس وراء حساسية كلّ تصعيد يحدث بين الصدريين وحزب الدعوة»، مستبعداً «وجود أطراف إقليمية تحاول تغذية هذه الخلافات». ويتوقّع التميمي أن «تشتدّ الأزمة يوماً بعد يوم، كلّما اقترب موعد الانتخابات، في حال حصولها وعدم تأجيلها إلى فترة أخرى»، معتبراً أن «الصدر أراد إيصال رسالة من خلال زيارته أحد المقارّ المستهدفة في النجف الأشرف، وهي أنه ضدّ استخدام العنف، كما أنه أراد إيصال رسالة ثانية إلى قوى الإطار التنسيقي والحشد الشعبي بأن لا توجد خلافات بين التيار والحشد باعتباره قوى عقائدية شيعية، وقد تكون بعض ألوية سرايا السلام جزءاً منها».