نيويورك ـ نزار عبودشهدت غزة الأسبوع الماضي «تظاهرة حيوانات» طالبت بحقّ الرحمة بالأغنام والأبقار والحمير في الأمن والعلف والرعاية ما دام العالم لا يعبأ كثيراً بمعاناة الإنسان. أمّا في الأمم المتحدة، فقد تجاوز حق الحيوان كثيراً حقّ الإنسان، إلى درجة أنّ البعض قد يطالب يوماً بالمساواة مع حقوق الكلاب. فأحد كلاب المنظّمة الدوليّة يهدّد بإنهاء خدمة رجل أمن مصري أمضى في خدمة الأمم المتحدة ربع قرن لأنّه سبّب «اكتئاباً» للكلب.
ولدى الأمم المتّحدة كتيبة من كلاب الحراسة قوامها ثمانية. تشكّلت في أيّار عام 2004 لحفظ الأمن لكونها مدرّبة على تنشّق رائحة المواد المتفجرة وكشفها. فلا تعقد جلسة لمجلس الأمن أو غيرها في قاعات الاجتماعات قبل تفقّد الكلاب للأمكنة وإعطاء الموافقة على عقد الجلسة. وقبل أن يحضر موظّفو المنظمة الدولية إلى عملهم، تمسح الكلاب بأنوفها مباني الأمانة العامّة والمباني الثلاثة المجاورة للتأكّد من أنّ كل شيء على ما يرامومنذ تشكيل الكتيبة، لم يستطع أيّ إرهابي العبث بأمن المنظمة الدولية. ومهمّة الكلاب ورعاتها شاقة وتقتضي يقظة تامة. ففي العام الماضي، أجرت الكلاب 24 ألف عمليّة بحث وتدقيق، وبعضها كبير مثل تلك تجري في قاعة الجمعيّة العامّة التي تضم 1800 مقعد. وفي حادثة لافتة، استطاعت الكلبة «شين» أن تشمّ رائحة مادة الـ«غليسيرين» من مواطن يتناول أدوية لعلاج أمراض القلب في مصعد المبنى. وهذه المادة تدخل في صنع أنواع من المتفجّرات. فنبّهت مرافقتها غارسيا إلى الأمر.
كتيبة الكلاب رزينة، ذات تربية عالية وتحظى بوظيفة مرموقة يحسدها البشر عليها. المجمتع الدولي يكنّ لها أعلى قدر من الاحترام، ويميّز بين أفرادها، فلا يعاملها معاملة البشر. لذا، خصصت الأمم المتحدة ميزانية محترمة للكلاب تصل إلى 150 ألف دولار سنوياً لكل كلب. أي أكثر من 12 ألف دولار كمخصّصات شهرية. وهي لا تنام في أقفاص أو بيوت خشبيّة في طرف الحديقة، بل في مساكن راقية ويشرف على خدمتها مرافقون من البشر على درجة عالية من الرقة والكياسة والعلم، ولا يفارقونها طيلة 24 ساعة في اليوم.
أسماء الكلاب هي: كاندي ودوق وفريه وجينيسيس وماكس وشين وستورم وزاك. جميعها تخرّجت من أكاديمية الكلاب التابعة لشرطة نيويورك بعدما تبنّتها الجمعيّة الأميركيّة للوقاية من سوء معاملة الكلاب. وتلقت علومها وفق «منهج بلتيمور» نسبة إلى أسلوب التربية والتدريب الذي أسّسته دائرة شرطة بلتيمور عام 1975. ويقضي هذا المنهج بأن تُعامل الكلاب معاملة اجتماعيّة لائقة بحيث تعيش في مسكن واحد مع رعاتها. أي ينبغي أن يخصص لكل كلب راعٍ خاص. ولهذه الغاية، وظّفت الأمم المتحدة 10 رعاة لثمانية كلاب حتى تضمن عدم حصول أي نقص في الرعاية.
اختيار الكلاب مهمّة شاقة، لكن اختيار الرعاة مهمّة أصعب. فهؤلاء يخضعون لاختبارات صعبة للتأكد من استيعابهم لعلم نفس الكلاب. وتُجري دائرة خدمات الأمن والسلامة في الأمم المتحدة سلسلة من المقابلات مع الرعاة. وبعد وقوع الاختيار عليهم، يخضعون لدورة مكثفة لمدة 3 أشهر في أكاديمية «كوبرزتاون» التابعة لولاية نيويورك حيث يتم تدريبهم وتحديد أهلية كل منهم لحسن معاملة كلبه. وبعدما تجري مصاهرة كل كلب مع راعيه، يخضع الاثنان إلى تدريب على سيناريوهات متدرّجة الصعوبة بما في ذلك اختبار درجة الانصياع للأوامر، والقدرة على نبش المخاطر، والتحرك بسرعة داخل المباني. ولا بد للراعي أن يكون قادراً على تقديم الإسعافات الأوّلية للكلب قبل أن يُعطى رخصة الأهليّة لمنصب كهذا.
ولكن، ماذا يحدث عندما يخلّ الراعي ببنود الرعاية؟ منذ أربعة أشهر، طلبت دائرة الأمن في الأمم المتحدة من شرطي مصري البقاء في منزله لاستكمال التحقيق بأسباب الكآبة التي ألمّت بأحد الكلاب بعدما أنيطت به مهمة رعايته.
وتتحفّظ «الأخبار» عن نشر اسم الشرطي والكلب، إلى حين استكمال التحقيق. وتحوم الشبهات بأنّ الشرطي لم يكن يمنح الكلب ما يستحقّ من احترام، ويتعاطي معه «بعنصرية بشرية» ربما انطلاقاً «من خلفيّة ثقافيّة تمييزيّة».
لا شكّ في أنّ هذه القضيّة هي واحدة من أصعب قضايا التمييز العنصري التي سيقتضي النظر فيها على يد قاض مختص بحقوق الكلاب.