واشنطن ــ محمد سعيد
رغم أن بيان التفاهم المشترك الفلسطيني ــ الإسرائيلي أقصى أي دور مباشر للجنة الرباعية الدولية في العملية التفاوضية، إلا أن مبعوثها الخاص طوني بلير لا يزال مفعماً بأمل العمل على تأمين الأرضية لنجاح رؤية الدولتين في المستقبل


أعرب مبعوث اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، طوني بلير، عن اعتقاده بأن مؤتمر أنابوليس للسلام الثلاثاء الماضي «لن يعمل على تغيير كل شيء، ولكنه عملية تمّ إطلاقها وتستغرق وقتاً باجتماعات متابعة». وقال «إنني متفائل إذا جرى الالتزام به، إذ إن صدقية الكثيرين أصبحت الآن على المحك».
وعزا بلير، في حديث إلى «الأخبار» في واشنطن، جانباً من تفاؤله إلى «وجود قيادة فلسطينية مختلفة». وقال «لدينا الآن قيادة فلسطينية جديدة، ومن المفيد الإقرار بأن الرئيس محمود عباس جادّ في المضيّ بالتفاوض حتى النهاية. وعلينا كمجتمع دولي دمج الحقائق على الأرض بالوقائع السياسية كي نصل إلى ماهية القضية، والتي تبدو في اللحظة الراهنة بعيدة كل البعد عن حل الدولتين. وعليه، ينبغي علينا جميعاً دعم ذلك اقتصادياً. وهنا يتخذ مؤتمر باريس المقبل أهمية استثنائية. ومجال نشاطي حالياً يتركز على بناء قدرات فلسطينية لإعادة سيطرة الفلسطينيين على أراضيهم لجهة الأمن وتغيير الواقع على الأرض».
وشدّد بلير على أهمية «مؤتمر باريس» للمانحين، الذي سيعقد في السابع عشر من شهر كانون الأول المقبل. وقال إن الأموال التي سيتعهد المانحون بتقديمها إلى الشعب الفلسطيني ستصل إلى مليارات الدولارات. وقال إن «هناك عدداً من المشاريع الاقتصادية ومشاريع البنية التحتية التي سيجري تمويلها من الدول المانحة في شمال غزة وأريحا وترقوميا وستوفّر آلاف الوظائف للفلسطينيين».
وقال بلير، في معرض الحديث عن الفرق بين المرحلة الراهنة وما سبقها، «يتوفر لدينا الآن إطار أفضل للتعاطي مع القضايا المطروحة، وخصوصاً المسار السياسي الراهن ومتطلبات بناء الدولة وتأمين الرفاهية الاقتصادية. ليس لدينا أوهام في شأن ضمانات نجاح ذلك، إلا أنني على قناعة بأن بين أيدينا مساراً سياسياً متيناً قبل التهيؤ لمفاوضات باريس. ومن شأن ذلك أن يتيح لنا الفرصة بالتقدم على الأرض».
وردّاً على سؤال عما إذا كانت الفترة حتى نهاية العام المقبل ستكون كافية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة بالرغم من الفشل في السابق، قال بلير «المسألة الراهنة تختلف عما سبقها من شروط، إذ إن الرئيس عباس يستمد دعمه من رغبة الشعب الفلسطيني بالتوصل إلى صفقة، كما أنّ ما يميز المفاوضات الحالية عن سابقتها في أوسلو هو رغبة الأطراف في التفاوض حول القضايا الجوهرية». وتابع «دعني أذكر بأنه لم يكن بالمستطاع التوصّل سابقاً إلى إنجاز مفاوضات تفضي إلى دولة قابلة للعيش، بل شهدنا محاولات عديدة لأجل ذلك، إلا أنها لم تنجز الهدف. وفي ما يخص الفترة الزمنية المطروحة، فإن رئيس الوزراء إيهود أولمرت أوضح بالأمس أنه لن تكون هناك قضايا لن يجري التفاوض في شأنها والاتفاق عليها. دعني أتفق معك بأن قول ذلك أمر يختلف تماماً عن تحقيقه، إلا أنني على قناعة بأنه لا ينبغي علينا التوقف أمام حقائق الأمس، بل المضي في النظر أنه يتوفر لدينا عملية تفاوضية متينة ذات برنامج زمني للتوصل إلى اتفاق. دعونا على الأقل إدراك أن هذا في الوقت الراهن هو عملية سلام قوية بجدول زمني لإنجاز صفقة حقيقية. إن مهمتي تقتضي أن نخضع الاحتمالات كلها لتحقيق ذلك».
وحول دور اللجنة الرباعية، قال بلير «هناك بعدان منفصلان: الأول، وعد (رئيس حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية سلام) فياض بتقديم رؤية حكومته لخطة إصلاحية وتنموية فلسطينية لمؤتمر باريس، والتي ستضمن عناصر إنشاء الدولة الفلسطينية وضمان أمنها، وسنحصل على دعم المموّلين لها بهذا الصدد، وهو هدف مؤتمر باريس. والبعد الثاني، المشاريع الاقتصادية التي تم التوصل إلى اتفاق ثلاثي بشأنها (سلام فياض وإيهود باراك وطوني بلير) والتي تتضمن مشاريع لشمالي قطاع غزة وممر أريحا الاقتصادي الذي ستتولى اليابان مسؤوليته، والمفترض أن يشكل معبراً للبضائع المختلفة للنقطة المتفق عليها في قرية ترقوميا. وتجدر الإشارة إلى أن دراسة جدوى ذلك سيتم إنجازها في غضون الشهرين المقبلين. والمشروع الرابع يركز على تشجيع القطاع السياحي في بيت لحم، ولدينا آمال بتحقيق بعض القضايا الأساسية من ورائه، من ضمنها السماح للسيّاح بالمبيت ليلاً في بيت لحم تشجيعاً للقطاع. إضافة إلى ذلك، هنالك جملة من المشاريع الأخرى تحت الدرس للّقاء المقبل، منها إنشاء مشاريع إسكانية ومناطق صناعية. وقد نجحنا في إقناع الطرف الإسرائيلي لرفع إجراءات الحصار عن معابر قطاع غزة شماله وغربه. وأنا لست في موضع المبالغة في ذلك، إلا أنه لا يجب التقليل من أهمية المضي في تلك المشاريع التي تعطي التزاماً (من الأطراف المعنية) لتوفير آلاف الوظائف للفلسطينيين».
وحول التمويل الذي سيقدمه المانحون، قال بلير «سنقدّم للدول المانحة خطّة تنموية شاملة تمتد لسنوات مقبلة من أجل دعمها، والتي يقدر أن تتكلف بضعة مليارات دولار. وما نرغب برؤيته خلال فترة النمو الاقتصادي للفلسطينيين هو تنمية القدرات الأمنية لديهم أيضاً، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض منسوب التدخل الإسرائيلي. إن القضية الأمنية في الضفة الغربية هي نقطة البداية، وبالمقابل ينبغي التوصل إلى استراتيجية مماثلة في قطاع غزة. سيكون بمستطاع سكان القطاع الاختيار بين الانضمام إلى العملية السلمية أو رفضها، لكن القيادة الفلسطينية تدرك جيداً أنه سيكون ثمرة ذلك دولة واحدة وسيادة واحدة على جميع الأراضي».
وحول مسالة التعامل مع حركة «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة، قال بلير «لا أعتقد أن المسألة هي حماس بالذات، بل كيفية إتاحة الفرصة لسكان قطاع غزة للانضمام إلى المسار التفاوضي الجاري في الضفة الغربية. والمسألة في غاية البساطة: إذا مضينا بالتفاوض على قاعدة حل الدولتين، لا يمكن للمرء التفاوض بناءً على أن إحدى هاتين الدولتين ليس لها الحق في الوجود. إن المدخل للمسار التفاوضي هو القبول بأمرين: الأول، ستكون هناك دولة فلسطينية، بالإضافة إلى دولة إسرائيل. والثاني، التفاوض وفق حل سلمي هو الأسلوب الوحيد لتحقيق الهدف، الأمر يتوقف على آلية عمل حركة حماس نفسها. إن أرادت الحركة أن تكون أحد مكونات فلسطين الجديدة التي نعمل على تحقيقها، فإن المسار التفاوضي هو المدخل الذي يتعين عليها المرور من خلاله».
وفي ما إذا كان هناك من يحبذ قيام إسرائيل باجتياح عسكري لقطاع غزة لإنهاء سيطرة «حماس»، قال بلير «لا، لا أستطيع رؤية ذلك في المدى المنظور. إن الضمان للحيلوية دون ذلك هو إيجاد مسار متين للتفاوض السلمي».