strong>شهيرة سلّوم
يصل الرئيس التركي عبد الله غول غداً إلى باكستان، في زيارة هي الأولى لرئيس دولة إلى إسلام آباد منذ إعلان الرئيس برويز مشرّف حال الطوارئ في الثالث من الشهر الماضي، وتأتي تتويجاً لأكثر من 40 عاماً من «العلاقات الأخوية والاستراتيجية» بين البلدين.
وسيجري غول محادثات مع نظيره الباكستاني، الذي قضى فترة طويلة من طفولته في تركيا، تتعلق بالعلاقات الثنائية والإقليمية والدولية، بعدما كان مشرّف قد اتفق مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارته لأنقرة في شباط الماضي، على العمل «لتحقيق الانسجام بين الدول الإسلامية من خلال التقريب في ما بينها» باعتبار أن «وحدة الأفكار تجمعها».
ومعروف أن هذين البلدين يطمحان إلى تعزيز تعاونهما، ولا سيما أنهما يتمتعان بموقع جيوسياسي، يجعل منهما شريكين فاعلين في أكبر حربين في هذا القرن، على «القاعدة» و«العراق».
باكستان، ثاني أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان (نحو 160 مليوناً) بعد إندونيسيا، والدولة الإسلامية الوحيدة التي تملك السلاح النووي، ما يؤهلها لكي تؤدي دوراً محورياً في السياسة الاستراتيجية في المنطقة. لذلك تهتم تركيا (نحو 70 مليون مسلم) بتعزيز الشراكة التي تجمعهما. ويُعدّ البلدان من «المعتدلين» في السياسة الدولية، إضافة إلى أن باكستان تنظر إلى تركيا بوصفها «رائدة الدور النموذجي» في المنطقة.
العلاقات الاستراتيجية بدأت منذ عام 1964، حين وقعت كل من باكستان وتركيا وإيران «ميثاق التعاون الإقليمي للتنمية»، في إطار تحالفها مع الولايات المتحدة لمحاصرة الاتحاد السوفياتي السابق عبر ما عُرف بسياسة «الأحلاف». وفيما انفصلت إيران عن هذا الحلف بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979، بقيت أنقرة ومعها إسلام آباد حليفتين استراتيجيتين لواشنطن، وأسستا معاً منظمة التعاون الاقتصادي عام 1985.
سرّ العلاقات الممتازة التي تجمع البلدين يكمن في الجذور التاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية المشتركة بين شعبيهما، وإن كانا يتحدثان لغتين مختلفتين، حتى قبل أن يحددا موقعهما على الخريطة العالمية.
ويتناول التعاون بين الجانبين مجالات شتى. فإضافة إلى السياسة، تشكّل السوق الباكستانية مجالاً حيوياً للاستثمارات التركية. كما انبثق التعاون في المجال الدفاعي عن المعاهدات المشتركة التي وقعها الجانبان، اللذان يتبادلان بموجبها المعدّات العسكرية والمعلومات في مجال الأبحاث والتكنولوجيا.
وقد عزّز هذه العلاقة «الموقف المشترك من القضايا الإقليمية والدولية»، من القضية الفلسطينية وأزمة السلام في الشرق الأوسط إلى الحرب على «الإرهاب» والعلاقات مع الغرب.
وبالنسبة إلى الدول الغربية، تمثّل كل من باكستان وتركيا المعادلة نفسها: بلدان إسلاميان غير عربيين، يقعان على خطوط التماس مع المناطق حيث تشن الولايات المتحدة حروبها (تركيا مع العراق، وباكستان مع أفغانستان). موقع هو في الوقت نفسه مصدر قلق عند الغرب الذي يخشى أن يتمكن الأصوليون من الوصول إلى السلطة في هاتين الدولتين، اللتين تمتلك المؤسسة العسكرية فيهما نفوذاً واسعاً.
وتشهد باكستان وتركيا تحولات سياسية داخلية. لكن ما يحصل في أنقرة يبدو بالنسبة إلى الدول الغربية واعداً مقارنة بما يجري في إسلام آباد؛ فرغم الحلف الاستراتيجي الذي يجمع الأخيرة مع واشنطن، يتزايد القلق الأميركي من تمدد نفوذ «القاعدة» في باكستان، حيث يختبئ عدد من قياديي التنظيم، ومن فكرة سيطرة الإسلاميين على الترسانة النووية لهذا البلد.
أما تركيا، فرغم القلق الغربي من «البرنامج الأصولي» المفترض، الذي يُخشى أن يكون يقف وراء «الإسلام المعتدل» الذي يحمله حزب «العدالة والتنمية»، إلا أن حكومة رجب طيب أردوغان تتبنى عملياً سياسة ليبرالية وديموقراطية تهدف إلى اللحاق بركب الاتحاد الأوروبي، ما يجعل هذه الحكومة مطمئنة بالنسبة إلى الغرب.