strong>شهيرة سلّوم
  • حكاية نظام يمارس القمع المنظم منذ 1962... بغطاء من الصين وروسيا والهند


  • انتفاضة ميانمار (بورما سابقاً) تشغل اليوم العالم،الحريص على مواقعه الاستراتيجية والاقتصادية في هذه الدولة الغنية بالموارد الطبيعية، والتي يعيش شعبها منذ عام 1962 تحت نير حكم عسكري، قتل في عام 1988 ثلاثة آلاف من مواطنيه في خلال محاولة للتخلص منه. فهل تمهّد «الانتفاضة الثانية» الطريق إلى الديموقراطية؟

    الحركة الشعبية في ميانمار حالياً هي وليدة سنوات من القمع العسكري والسياسي، مارستها الحكومة العسكرية مدى عقود من سيطرتها على البلاد عام 1962. فمنذ ذلك التاريخ لم تشهد ميانمار أي ملمح ديموقراطي، سوى انتخابات عام 1990، التي لم ترض نتائجها العسكر، فرفضوها وقمعوا المعارضة.

    تاريخ غير مستقرّ

    لا يمكن قراءة أحداث ميانمار الحالية بمعزل عن تاريخ هذه الدولة الغارقة في عدم الاستقرار منذ انفصالها عن الهند عام 1937. في ذلك العام، صوّت البورميون على «الاستقلال» تحت الاستعمار البريطاني، الذي وضع للمستعمرة دستوراً جديداً ودعا الى انتخابات عامة، فكان با ماو أول رئيس للحكومة، سرعان ما أجبر على التنحّي ليخلفه يو ساو في منصبه (1940 حتى 1942).
    خلال الحرب العالمية الثانية، أمل البورميون بالحصول على استقلالهم إذا وقفوا إلى جانب بريطانيا، إلا أن دولة الاستعمار قامت باعتقال قائد المعارضة أونغ سان، الذي هرب إلى الصين، فاستغلت اليابان الفرصة وقدمت له المساعدة، فعاد الى البلاد وحشد مساعدة 29 شاباً ليشكلو معاً عام 1940 ميليشيا «الرفاق الثلاثون» لتحرير البلاد من الاستعمار البريطاني. ودخل قادة الميليشيات إلى بورما مع الغزو الياباني عام 1941، ما جعل البلاد أحد خطوط المواجهة بين بريطانيا واليابانوبعد الحرب وانتصار الحلفاء، عادت بورما إلى أحضان الاستعمار البريطاني، وانعكس الصراع الخارجي على البورميين في الداخل، حيث انقسموا بين موالين لبريطانيا وموالين لليابان ومعارضين لأي تدخل من الطرفين. وشكلت المعارضة البورمية نواة حركة الاستقلال بزعامة أونغ سان الذي قاد البلاد الى الاستقلال عام 1948، لكنه اغتيل في العام نفسه.
    وعام 1962، أوصل انقلاب عسكري ني وين إلى السلطة، فأعاد تسمية البلاد الجمهورية الاشتراكية لاتحاد بورما وفرض حكماً ديكتاتورياً شمولياً استمر الى أواخر الثمانينيات.
    وعام 1988، بعد سنوات من سياسات العزل وسوء الإدارة الاقتصادية بسبب برنامج حزب بورما الاشتراكي، ظهرت أول انتفاضة شعبية قام بها تلاميذ ورهبان بوذيون. وفي أيلول من ذلك العام، عمّت التظاهرات البلاد، لكن نظاماً عسكرياً جديداً استولى على الحكم ووضع حدّاً للاضطرابات السياسية، بعدما قتل أكثر من 3 آلاف شخص.
    وبعد قمع المعارضة الداخلية، وجد ني وين عام 1989 أنّ بعض التنازلات السياسية ضرورة لا بد منها «من أجل استعطاف الرأي العالمي»، فأعلن إجراء انتخابات تشريعية، خاضتها المعارضة بزعامة الجنرال السابق تين أوو والليبرالية أونغ سان سو كي، ابنة أونغ سان، وحصدت 80 في المئة من المقاعد (415 مقعداً)، بينما الحزب الموالي للحكم حصل على 10 مقاعد، والمستقلون على 60 مقعداً.
    ولكن هذه النتيجة لم ترض المجلس العسكري الذي استخدم أساليب المماطلة والمضايقة لمنع المعارضة من تسلّم السلطة، ووضعت سو كي تحت الإقامة الجبرية لأكثر من 5 سنوات.
    التطورات اللاحقة في النظام أتاحت المجال أمام رئيس الاستخبارات السابق خين نيانت، حليف الصين، ليصبح أقوى رجل في المجلس، مغطياً بذلك على ني وين، فأعاد تسليح نظام يانغون ودعمه من خلال تطوير مصادر حيوية للدخل من قطع الأشجار وودائع أحجار الماس وتجارة المخدرات. وانضمت ميانمار عام 1997 عضوةً كاملةً العضوية إلى منظمة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، ما أعطاها شرعية دولية.
    عام 2000، عادت أونغ سان سو كي للمشاكسة، ما دفع المجلس العسكري الى إعادة وضعها رهن الإقامة الجبرية، ولكن في ظل نظام يعاني مشاكل اقتصادية ومعزول عن المجتمع الدولي. وما لبث أن أُعيد إطلاق سراحها في أيار 2002 من دون شروط. إلا أن هذه المرحلة لم تستمر لأكثر من عام، فأُعيد توقيفها مجدّداً وسجنها في أيار 2003.
    وفي تشرين الأول 2004، أوقفت الحكومة العسكرية رئيس الوزراء جين خينو ووجهت إليه تهم الفساد، بعدما أغضبتها أفكاره واقتراحاته الإصلاحية، ومن ضمنها إطلاق سراح سو كي وخطواته السبع التي تضع «خريطة طريق الى الديموقراطية».
    وأمام الوضع السياسي المتأزّم، نقل المجلس العسكري مركز الحكومة من العاصمة رانغون إلى مقاطعة جبلية تدعى بينمانا. واعتبر أنّ هناك حاجة ضرورية لنقل الحكومة الى منطقة مركزية في البلاد تساهم في بناء «دولة متطورة». وفي إطار هذا التوجه، جمع المجلس العسكري في أيلول الماضي مندوبي جميع الأحزاب في المؤتمر الوطني، باستثناء أحزاب المعارضة، وأصدر مسودة دستور جديد يسمح للعسكر بالاستمرار في السيطرة على الوزارات والعمل التشريعي ويعطيه الحق في فرض حالة الطوارىء في البلاد، وقيّد الدستور الجديد عمل الأحزاب السياسية.
    هذا المسار السياسي القمعي، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردّية في البلاد، دفعت الرهبان البوذيين إلى قيادة انتفاضة جديدة، كان سببها المباشر ارتفاع أسعار المحروقات.

    المصالح الدولية

    ما يحصل اليوم دعا كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى انتقاده، والعمل على عقوبات ضدّ النظام لردعه. ولكن يبقى التساؤل عن موقف الدول التي تملك التأثير الأكبر في المجلس العسكري الحاكم، وهي روسيا والصين والهند، والتي تزوّد الجيش بالسلاح.
    وتعدّ ميانمار شريكاً تجارياً مهماً للصين، التي مرّرت صفقات أسلحة ليانغون، دافعةً بذلك كلاً من روسيا والهند إلى التدخّل ومسايرة ميانمار للحدّ من تأثير بكين. وقد بقيت الصين، على الرغم من أحداث 1988، حليفاً أساسياً لميانمار ولم تتخلّ عنها على رغم العزلة الدولية.
    وتدفع طموحات الصين في المحيط الهندي الى تقديم المساعدة لميانمار من أجل تطوير قواعدها البحرية في هانغي وجزر الكوكو، فبورما بإمكانها أن تساعد الصين في التمدد عسكرياً للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية للاقتصاد الآسيوي. وما يعزّز النفوذ الصيني في ميانمار، هو سيطرة البورميين الصينيّي الأصل على الاقتصاد الوطني في البلاد.
    ويرى محلّلون أن الصين تعلن رسمياً دعمها للسلطة العسكرية في بورما، لكنها تبادر في الوقت نفسه إلى إجراء اتصالات بتكتّم بمجموعات معارضة حتى لا تُفاجأ في حال إطاحة النظام العسكري. ومنذ بداية قمع التظاهرات، ترفض الصين إدانة حليفتها بورما التي تتمتع لديها بنفوذ كبير. وقد اكتفت بدعوة السلطات والمتظاهرين الذين تعرضوا لقمع عنيف الى استخدام «طرق سلمية».
    من جهتها، تسعى روسيا لتزويد المجلس العسكري في ميانمار بأبحاث مفاعل نووية، بينما الهند تجري محادثات حول الطاقة في يانغون على الرغم من وجود التظاهرات.



    بطاقة تعريفرئيس الدولة: الجنرال ثان شوي (منذ 23 نيسان 1992)
    رئيس الحكومة: الجنرال ثين شين (منذ 18 أيار 2007)، أما الحكومة العسكرية فهي «جونتا» التي استولت على الحكم في 18 أيلول 1988 واتخذت اسم مجلس إعادة النظام ودولة القانون.
    يتألف شعب ميانمار من أعراق مختلفة: البورمان 68 في المئة، وشان 9 في المئة، والكارين 7 في المئة، والصينيين 3 في المئة، والهنود 2 في المئة، وآخرين 5 في المئة.
    89 في المئة من شعب ميانمار يعتنق البوذية، وهناك أقليات مسيحية (4 في المئة) ومسلمة (4 في المئة).
    وتقع ميانمار بين الصين (شمال شرق) والهند وبنغلادش ولاوس وتايلاند (شمال غرب) وخليج بنغال والمحيط الهندي (جنوباً) حتى جزيرة الملايو.
    عدد سكانها نحو 53.7 مليون نسمة ومساحتها 678.5 ألف كيلومتر مربع.
    وتعدّ ميانمار مُنتِجاً أساسياً للغاز والنفط والتعدين. وتعتبر مصدّراً أساسياً للغاز والأرز والصناعات النسيجية والأسماك. وتعدّ ثاني أكبر دولة منتجة للأفيون في العالم.
    أمّا شركاؤها الاقتصاديون فهم: تايلاند (49 في المئة) والهند (12.8 في المئة) والصين (5.3 في المئة) واليابان (5.2 في المئة).




    انتهاكات حقوق الإنسان

    أشار التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية إلى وجود انتهاكات إنسانية فاضحة للمجلس العسكري في ميانمار، موضحاً أنّ هناك ما يزيد على 1185 سجيناً سياسياً محتجزين في ظروف متدهورة.
    وأكد تقرير المنظمة قيام المجلس العسكري بسجن كبار قادة «الرابطة الوطنية للديموقراطية»، حزب المعارضة الأساسي، وهم: داو أونغ سان سو كي، ويو تن أوو، وداو ماي، وين مينت، وثان ناين. وجميعهم محتجزون من دون تهمة أو محاكمة.
    ويُذكر أن كلاً من داو ماي وين مينت وثان ناين محتجزون منذ تشرين الأول 1997، على رغم انقضاء مدة الحكم الصادر ضدهم بالسجن 7 أعوام. واحتُجزت داو أونغ سان سو سوكي في عزلة متزايدة، ولا يُسمح لها إلا بزيارات متباعدة من طبيبها.