بغداد | أثارت نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات العراقية التي جرت الاثنين الماضي، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية في العراق، في ظل تشكيك الجبهة المقاطعة في ما أعلنته المفوضية العليا للانتخابات من نسبة مشاركة أولية وصلت إلى 41%. لكن الأكيد هو أن تلك المقاطعة هي التي سمحت بفوز حزب «تقدم» الذي يتزعّمه رئيس البرلمان المقال، محمد الحلبوسي، بالمرتبة الأولى في بغداد، وتقدمه على الأحزاب الشيعية، ما أثبت أن الرجل لا يزال السني الأول، ولا سيما أنه حلّ أولاً في محافظة الأنبار كذلك. وكانت المفوضية قد أعلنت، أول من أمس، النتائج شبه النهائية بعد فرز قرابة 94% من صناديق الاقتراع، مشيرة إلى أن النتائج النهائية ستعلن بعد إكمال الصناديق المتبقية. وحاز حزب «تقدم» أكثر من 132 ألف صوت في بغداد، متفوقاً على «ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي الذي حصد قرابة 130 ألف صوت. في المقابل، فاز تحالف «نبني»، وهو أحد أجنحة «الإطار التنسيقي» الحاكم، في ذي قار وميسان وبابل والنجف والديوانية بنسب مقاربة لمنافسه «دولة القانون».وتعكس هذه النتائج فرز 6 ملايين صوت، من أصل 16مليوناً يحق لهم التصويت بعدما حدّثوا بياناتهم (6 ملايين تمثّل نسبة 41% من أصل 94% من الصناديق التي جرى فرزها حتى لحظة إعلان المفوضية النتائج)، وهو ما أعطى للمقاطعين، ومنهم «التيار الصدري» وزعيمه مقتدى الصدر، والحركات المدنية المرتبطة بـ«حراك تشرين»، مشروعية في الحديث عن نجاح المشروع الرافض لعودة مجالس المحافظات. وكان الصدر قد وجّه، في منشور على منصة «إكس»، شكراً إلى المقاطعين في نهاية اليوم الانتخابي. في المقابل، وفور صدور النتائج، بدأت الكتل الفائزة تستعد لمرحلة مقبلة من تأسيس تحالفات سياسية جديدة. ويتوقع مراقبون اندماج «نبني» و«دولة القانون» في ائتلاف كبير في بغداد لمواجهة فوز حزب الحلبوسي، من خلال تشكيل أغلبية في مجلس المحافظة، وذلك بعدما شكل فوزه صدمة لقوى «الإطار التنسيقي». كما يُتوقّع أن تكون مسألة التفاوض بين القوى الكبيرة على مناصب مجالس المحافظة طويلة ومعقدة، وخاصة أن تلك المجالس هي التي ستنتخب المحافظين. أيضاً، ثمة معضلة تتمثّل في تغيير محافظي النجف وميسان الحاليين المنتميين إلى «التيار الصدري»، في وقت تسود فيه تكهنات بأن تحقيق قوى «التنسيقي» فوزاً في تينك المحافظتين قد يشعل أزمة سياسية جديدة بين «التيار» و«الإطار». وحصد تحالف «نبني» 43 مقعداً من مجموع 285 في 15 محافظة، فيما حلّ «دولة القانون» في المرتبة الثانية حاصداً 35 مقعداً، يليه ائتلاف «قوى الدولة الوطنية» الذي يجمع رئيس تيار «الحكمة»، عمار الحكيم، ورئيس «ائتلاف النصر»، حيدر العبادي، بحصولهما على 23 مقعداً.
تغيير محافظَي النجف وميسان المنتمييْن إلى «التيار الصدري»، قد يشعل أزمة سياسية جديدة بينه وبين «الإطار التنسيقي»


وتعليقاً على النتائج، يرى القيادي في «الإطار التنسيقي»، عائد مجيد، أن «مشاركة العراقيين كانت غير مسبوقة، ولا سيما في محافظات الجنوب والوسط. والذين يشككون في ذلك يحاولون إفشال العملية الديموقراطية من خلال التخويف وتهديد الناس تارةً والضغط إعلامياً تارة أخرى». ويلفت، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «ثمة مشاركة حقيقية، واستحقاق الكتل الشيعية كان متوقعاً جداً، بسبب تنظيمها الجماهيري العالي، وخاصة لدى تحالف نبني الذي يمتلك قاعدة شعبية واسعة، ولا سيما من الحشد الشعبي، وفصائل المقاومة التي تؤمن بالتغيير الديموقراطي عبر صناديق الاقتراع». ويعتبر أن «فوز القوائم الشيعية مؤشر إيجابي لبناء محافظات الوسط والجنوب التي تعاني كثيراً من قلّة الخدمات، بسبب غياب الحكومات المحلية منذ سنوات». وبشأن التحالفات بين القوائم الشيعية، يعتقد مجيد أن «الحديث عنها في الوقت الحالي مبكر جداً، لكن المعادلة السياسية قد تتغيّر، وخاصة في بغداد التي كان من غير المتوقع فوز حزب تقدم فيها بأعلى الأصوات الانتخابية». ويتابع أن «النتائج قد تفتح باب الحوارات بشأن صياغة تحالف شيعي موحد، سواء على مستوى بغداد أو عموم العراق».
من جهته، يرى المتحدث باسم «ائتلاف النصر»، عقيل الرديني، أنه «كانت هناك مشاركة كبيرة في الانتخابات لمجمل القوى السياسية، سواء السنية أو الشيعية»، مبدياً اعتقاده بأن «توازنات المحافظات تبقى قريبة جداً من بعضها البعض، رغم أن بعض الكتل السياسية تأخذ هنا مقعداً زائداً وهنا مقعداً أقل. لكن في كل الأحوال، التوازنات السياسية تبقى على حالها بشكل أو بآخر».
ويقول، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «اكتساح حزب تقدم لبغداد ناتج من غياب التيار الصدري في الانتخابات. لذلك، المقاعد التي كان يمكن أن يحصل عليها التيار في بغداد توزّعت بين القوى السياسية الأخرى، سواء تقدم أو دولة القانون. لكن في كل الأحوال، يعني ذلك أن هذه الانتخابات لا تُغيّر كثيراً في المعادلة السياسية». ويرى أن «غياب التيار الصدري له تأثير سلبي على العملية السياسية، باعتبار أنه كان الرقم واحد بين الكتل السياسية، وكذلك له ثقل السياسي، فغيابه عن العملية السياسية لا شك أنه شكّل حالة سلبية».
في المقابل، يتحدّث الناطق باسم حركة «وعي» المقاطعة للانتخابات المحلية، حامد السيد، عن عرض النتائج الأولية لأصوات القوائم أو التحالفات التي نافست في الانتخابات الأخيرة، مشككاً في أرقام النتائج ومعتبراً إياها غير حقيقية. ويؤكد، لـ«الأخبار»، أن «المقاطعة كانت مؤثّرة في العملية الانتخابية، وجمهور المقاطعة أو تيار المقاطعة الوطنية هو التيار الأكبر والأكثر فاعلية. وبالتالي حقّق هدفه في تعرية هذه الطبقة السياسية أمام جمهورها من جهة، وأمام العراقيين من جهة أخرى».