غالباً ما تقتصر الصالات الفنيّة على طبقة معيّنة من المجتمع، أكان ذلك لناحية أسعار الأعمال الفنيّة المرتفعة، أو لناحية التكلّف الذي يحيط بأجوائها. أمّا في غاليري «مختارات» الواقعة في منطقة الزلقا (شرق بيروت)، فالفن في متناول الجميع! بدأت «مختارات» عملها كدار نشر في عام 1982 قبل أن تتحوّل في عام 1985 إلى مكتبة كبيرة، تحتوي على أكثر من عشرين ألف عنوان، لتصبح مركزاً للمثقفين والأكاديميين والطلاب. بعد نحو عقدين، وتغيّر خريطة النشر مع إقبال معظم القرّاء على المواقع الإلكترونيّة بهدف المطالعة، أضافت «مختارات» إلى هذه المكتبة، محترفاً لتصنيع الإطارات (البراويز) على أنواعها. وفي 17 نيسان (أبريل) الماضي، وسّع القيّم على المشروع كمال فغالي مساحته، لتصبح «مختارات» صالة عرض دائمة، تضم أكثر من ألف وخمسمئة عمل فنيّ. فغالي الذي اهتم لأكثر من خمسة عشر عاماً، بجمع الأعمال الفنية والتحف، قرر أن يعرض مجموعاته الفنيّة، ليتشاركها مع زوّار «مختارات» ويبيعها. تتنوّع الأعمال الفنية التي يعرضها بين لوحات، ومنحوتات، وأقمشة، وأثاث، تعود إلى فنانين من جمهورية الكونغو (وسط أفريقيا)، وتمتاز غالبيتها بالطابع القبلي، اقتناها فغالي في السنوات التي عاشها هناك. إضافة إلى ذلك، تضم مجموعاته أعمالاً لفنانين أرمن، وسوريين، ولبنانيين، ومن جنسيات أخرى.


تدخل إلى «مختارات»، لتجد محترف صنع البراويز إلى يمينك: «نضع البرواز من أجل الدفاع عن اللوحة، إلّا إذا قررت اللوحة عكس ذلك»، هكذا كتب القيّمون على المحترف. وإلى اليمين أيضاً، تجد مكتبة «مختارات» التي تضمّ رفوفها منشورات للدار، مع كتب أخرى متنوعة في مواضيعها. سلّم من درجاتٍ قليلة يزيّنه جدار من المرايا، يقودك إلى القاعة التي تعقد فيها الأمسيات الشعريّة والموسيقيّة، وحلقات النقاش وغيرها من الأنشطة. تتزين جدران القاعة باللوحات، والطباعات الفنيّة، وملصقات الأفلام العربيّة القديمة، والأقنعة الأفريقيّة والأقمشة الكونغيّة المعروضة على شكل ستائر. تصعد إلى الطابق العلوي لتجد شقّة مفروشة جاهزة للسكن، قرر فغالي الحفاظ عليها كشقّة، ذات أثاث نادر وللبيع، تحيط به الأعمال الفنيّة من كل مكان، فيبقى القرار للزائر، أن يشتري كنبة نادرة أو لوحة. ألحفة أسرّة من فن «الباتش» (Patchwork) الذي يعتمد على وصل مجموعة من الأقمشة الصغيرة في حجمها والمتنوعة بألوانها، مع بعضها البعض، ثمّ تزيينها ببعض التطريزات اليدويّة. هناك أيضاً سجادٌ مزركش على الأرضيّة وساعة قديمة وضخمة، تهتز يميناً ويساراً. ألوان صاخبة، طليت بها الجدران واللوحات، لكنّها تجتمع مع بعضها لتصبح مألوفة للعين.
بالحديث عن اللوحات المعروضة، فهي متنوعة في مواضيعها، وأساليبها، ومستوياتها. يجد الزائر أعمالاً في غاية الاحتراف، وأخرى تظهر أنّ الفنان كان في بداية تجربته لدى إنجازها. كما يمكن العثور على نسخ للوحات فنانين عالميين أمثال موديلياني وفان غوخ، أنجزها نسّاخ لم يعرض اسمهم. هذا التنوع لا يقتصر فقط على المواضيع والأحجام، بل يتعدّاها إلى الأسعار أيضاً، إذ تبدأ أسعار الأعمال الفنيّة من خمسة دولارات أميركية، لتصل إلى عشرين ألف دولار، لكي لا يكون الفن حكراً على طبقة معيّنة فقط.
اللافت في «مختارات»، هو احترافية تعامل القيّمين مع الأعمال المعروضة. رغم تجاوز عددها الألف وخمسمائة، إلّا أنّهم يختصرون الطريق على الزائر. من يرغب في الحصول على معلومات أكثر عن العمل الذي يجذبه، يمكنه استخدام رمز الاستجابة السريع (QR Code)، الموجود أسفل كلّ عمل، إذ سيساعده في الحصول على معلومات عن حجم العمل، والمواد المستخدمة، واسم الفنان مع سيرته الذاتية الموجزة، إضافة إلى سعر العمل.
فغالي المهتم بالأنشطة الفنيّة بكل أشكالها، يعمل الآن على تحويل سطح مبنى «مختارات»، إلى محترف فنّي يستقبل جميع الفنانين الذين يحتاجون إلى مساحة للعمل على مشاريعهم الفنيّة. ويضيف إليه مساحة عرض متبدلة. علماً أنّ غاليري «مختارات» تفتتح أبوابها للزوّار، من الإثنين إلى السبت، لتهمس أقنعتها الكونغيّة لهم «ادخل ولا تبرح حتّى تبلغ، ولا تفارق حتّى تدرك».