وبصرف النظر عن رأي فاقدي الأهلية للحديث عن هذا الملف، من قواتيين وكتائب واشتراكيين، يبقى أن مرسوم التجنيس الحالي تعتريه ثغر عدة:
أولاً، عدم اختلاف أدوات الإعداد له عن تلك التي كانت تُستخدم لإعداد المراسيم التي أصدرها الرؤساء السابقون. بلا إعلان عن الإعداد للمرسوم، وبغياب المعايير الواضحة والهادفة بالدرجة الاولى إلى رفع الغبن عن مستحقي الجنسية، يُصبح من له سند سياسي أو مالي أوفر حظاً من الذين وُلِدوا هنا، كما أجداد أجدادهم، ولا مكان آخر يلجأون إليه. العراقي إياد علاوي، البعثي التائب، الأميركي غير التائب، أحقّ بالجنسية اللبنانية من رجل قاتَل لتحرير لبنان من الاحتلال.
ثانياً، ينسحب غياب الشفافية على ما بعد توقيع المرسوم. فلا يُنشَر، ويجري التعامل معه كما لو أنه سر من أسرار الدولة، ما يعزز الشائعات من حوله، بما يُفقِد المرسوم ما أكسبه إياه أيّ تدقيق أمني بالأسماء الواردة فيه.
ثالثاً، نفض غالبية آباء المرسوم أيديهم منه. وزير الخارجية جبران باسيل أكّد أمس أن «القصر الجمهوري ووزارة الخارجية غير معنيين بأي عملية مشبوهة، ونطلب تحقيقاً جدياً وسريعاً لإظهار أي أمر من هذا النوع»... كلام باسيل شديد الخطورة. هو يلمّح إلى أن «أي عملية مشبوهة» في المرسوم إنما أتت من رئاسة الحكومة أو من وزارة الداخلية! والأخطر أن مضمون كلامه يشير إلى أن رئيس الجمهورية غير مسؤول عمّا رسمه توقيعه!.
والأنكى من كلام باسيل، هو تنصّل بعض مسؤولي تيار المستقبل من المرسوم، متجاهلين أنه يحمل توقيعَين «مستقبليين» (رئيس الحكومة ووزير الداخلية)، وأن للرئيس سعد الحريري حصة وازنة منه.
لكن، ورغم الثغر المذكورة، فإن القوى السياسية المشار إليها أعلاه، ترمي، في شيطنتها لمرسوم التجنيس، إلى أمرين: السعي إلى هزّ صورة عهد الرئيس ميشال عون من جهة، ومحاولة القول إن تجنيس أقل من 400 شخص يعادل في «فداحته» وتأثيراته «الديمغرافية» (لكلمة ديمغرافيّة في لبنان معنيان لا ثالث لهما: مذهبية، وطائفية) ما أنتجه تجنيس أكثر من 100 ألف شخص عام 1994.
في مواجهة هؤلاء، ربما يكون من واجب رئيس البلاد أن يُعلن بوضوح نيته إصدار مرسوم للتجنيس مرة كل سنة، يصار خلالها، بشفافية وبمعايير واضحة، إلى درس ملفات الذين حُرِموا سابقاً من هوية البلاد التي عاشت عائلاتهم فيها منذ ما قبل نشوء الدولة (والنسب هنا يتصل بالأم أيضاً، لا بالأب وحده). أما الحل الأمثل والمطلوب، فهو إصدار مجلس النواب قانوناً للجنسية، يحدد المعايير والآليات والجهة المنوط بها تطبيقه.
فلا يجوز الركون إلى شيطنة التجنيس. هي أشبه ما تكون بشيطنة الضرائب. وكما أن فرض الضرائب على محتكري الثروة الوطنية أمر محمود ومطلوب دوماً، كذلك فإن فتح باب التجنيس لمستحقيه واجب وطني.
حُكي الكثير عن تجنيس «مقرّبين من النظام السوري» في مرسوم الرئيس ميشال عون. يستخدم سياسيون وصحافيون هذه «الحقيقة» بلا حاجة إلى أي تدقيق فيها. لكنّ المعلومات المتوافرة لدى المدققين في المرسوم تشير إلى الآتي:
أولاً، منذ ما قبل انتشار اسمه، حُذِف اسم رجل الاعمال السوري سامر فوز من مشروع المرسوم.
ثانياً، لم يرد اسم الإعلامي السوري، سامر يوسف (مدير راديو «شام اف ام»)، في مشروع المرسوم، ولا في أي لائحة من اللوائح التي قُدّمت إلى وزارة الداخلية.
ثالثاً، لا تربط سعيد صبرا، رجل الأعمال والرئيس السابق لاتحاد الملاحة في اللاذقية، أيّ صلة حالية بالمسؤولين السوريين. على العكس من ذلك، صلاته القوية هي بمسؤولين أتراك، وتحديداً برئيس الوزراء بن علي يلدريم.
رابعاً، مفيد كرامة هو شقيق نضال كرامة الذي منحه مرسوم ميشال سليمان الجنسية اللبنانية عام 2014. والشقيقان من منطقة السويداء السورية، لكن لا صلة لهما بالدولة السورية ومسؤوليها.