ينص الاقتراح على أنه «خلافاً لأي نص خاص أو عام، تجري الإحالة أمام الهيئة العليا للتأديب لجميع المشمولين بصلاحياتها مباشرة، بموجب قرار يصدر عن هيئة التفتيش المركزي أو عن رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص (للعاملين في الإدارة والمؤسسات العامة)، أو رئيس الإدارة أو وزير الوصاية (للعاملين في المؤسسات الخاضعة لوصايته) أو ديوان المحاسبة أو النيابة العامة لديه، أو رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة أو رئيس البلدية، كل بحسب صلاحياته، مرفقاً بملف كامل عن القضية». بذلك يكون الاقتراح قد حافظ على حق الإحالة للتفتيش المركزي وللجهة الصالحة للتعيين، لكنه أضاف إليها جهات كان يحق لها الإحالة على التفتيش المركزي فقط، فتساوت بالتالي مع مجلس الوزراء ورؤساء البلديات ومدير المؤسسة العامة بحق الإحالة على التفتيش كما على الهيئة العليا للتأديب. وأعطاها، بالتالي، حق التصرف «في حال تمنُّع الجهة المعنية عن القيام بدورها، خلافاً لمقتضيات المصلحة العامة التي تبرر التشدد في مكافحة الفساد» (على ما ورد في الأسباب الموجبة للاقتراح).
لا جدال بالنسبة إلى رئيس الهيئة في أن النص المعمول به حالياً ليس كافياً، ودليله على ذلك أن «التفتيش» لم يحل خلال السنوات الخمس الماضية على الهيئة سوى ملف واحد، هو ملف مستخدم فـي مصـلحة سـكك الحديـد والنقـل المشـترك، جرمه الغياب المتكرر عن الوظيفة من دون مبرر. علماً أن هذه الإحالة بدت حكمية بحسب القرار رقم ٧\٢٠١٨ المنشور على الموقع الإلكتروني للتفتيش المركزي، إذ يشير القرار إلى أن الإحالة أتت «لكون المستخدم محال أمامها من قبل رئيس مجلس إدارة - المدير العام لمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، وأن الهيئة العليا للتأديب باشرت النظر في القضية». هذا لا يعني أن لا ملفات أمام التفتيش من الوزن الذي يستحق الإحالة على «التأديب». أحد هذه الملفات، على سبيل المثال، القرار ٢\٢٠١٨، الذي يتعلق بتهريب أدوية سرطان واستعمال «راسورات» منتهية الصلاحية في أحد المستشفيات الحكومية. هذا الجرم لم يستدع الإحالة على «التأديب»، فكان القرار تأخير تدرج ممرضة وإحالة أطباء على ديوان المحاسبة. تجدر الإشارة أيضاً إلى أن معظم القرارات كانت عقوبتها تأخير التدرج أو حسم من الراتب، فهل تلك عقوبات رادعة لمن يسبب ضرراً للناس وللمال العام؟
اقتراح قانون لتحرير الهيئة العليا للتأديب من استنسابية التفتيش المركزي
في ردة فعل أولية على الاقتراح، رأى عبود فيه اقتراحاً متوازناً، مشدداً، على سبيل المثال، على أهمية إعطاء رئيس الحكومة حق الإحالة، وهو المشرف على السياسة العليا للدولة، بدل أن يسمع بملفات الفساد من دون أن يكون له سلطة الإحالة، ما يضطره إلى انتظار مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء. فتكون مكافحة الفساد، بالتالي، مشروطة بالتوافق السياسي بدل أن تكون عملية إدارية - قانونية.
اللافت أن الاعتراضات السياسية جاءت لترافق الاقتراح بمجرد تقديمه. إذ يعيب معارضون للاقتراح عليه أنه يلغي مرحلة التحقيق في المخالفات، وهي مرحلة تجرى عادة في التفتيش المركزي، ويرفع القضية مباشرة إلى الهيئة، التي هي بمثابة محكمة. وتلك حجة يردّ عليها النائب الموسوي بالتأكيد أن قانون الهيئة يعطيها الحق بالتحقيق حتى لو وصلها الملف من التفتيش المركزي، وبالتالي فإن التحقيق هو إحدى صلاحيات الهيئة، أسوة بصلاحية الطلب من التفتيش المركزي إجراء التحقيقات. وأكثر من ذلك، يوضّح عبود أن التحقيق ليس صلاحية حكمية للتفتيش المركزي، حتى في القانون الحالي، فهو يجيز لأصحاب الحق تحويل الملفات مباشرة إلى الهيئة، اعتماداً على تحقيقات تجريها الإدارة المختصة، ومن دون المرور بالتفتيش المركزي. ويُذكّر عبود بأنّ مجلس شورى الدولة سبق أن أصدر استشارة في عام 2017 يؤكد فيها عدم ارتباط الإحالة بالتحقيق، مشيراً أيضاً إلى أن الجهات المعنية يحق لها الإحالة، في الوقت نفسه، على التفتيش المركزي وعلى الهيئة العليا للتأديب. وبالتالي، إن عمل الجهتين عمل موازٍ لا يلغي أحدهما الآخر، علماً بأن الهيئة قادرة على البت بالملفات بشكل سريع، إذ إنها ملزمة بمهلة الشهرين لإصدار أحكامها التي يمكن أن تصل إلى العزل من الوظيفة.