في المرحلة الأولى من التفاوض، كان هوكشتين نفسه يستخفّ بما يسمعه في لبنان عن حقوق وما الى ذلك، حتى إنه كان يتطرق الى تهديدات المقاومة بشيء من السخرية ويلوّح بأن إسرائيل سترد بقسوة. وهو لم يكن يهتم حتى لما قالته له السفيرة في بيروت دوروثي شيا حول جدية تهديدات حزب الله. وهوكشتين معروف لدى الدبلوماسيين المتعاملين مع الإدارة الأميركية بأنه كثير الكلام وقليل الأفعال. وهو لو ترك الأمر له، لبقي يذهب ويعود الى المنطقة لأسابيع وشهور طويلة. والحقيقة أن من أجبره على اعتماد سلوك مختلف هو أن قيادة العدو قالت له: «نعرف حزب الله أكثر منك، ونعرف أن الحزب جدّي في ما يقوله». وهو أمر أحرج الوسيط الأميركي الذي يسعى في كل مرة الى التذاكي على اللبنانيين في مناقشة ملف الترسيم كما يفعل في ملف استجرار الغاز والكهرباء من الأردن ومصر.
اليونانيون كما الشركات العالمية تلقّوا إشارات واضحة حول جدّية تهديدات المقاومة
عملياً، بين يدَي هوكشتين ورقة المطالب اللبنانية التي تمثّل «الحد النهائي لما يقبل به لبنان» كما أبلغه الرئيس ميشال عون. وبين يدَيه حصيلة مشاورات شملت الأمم المتحدة وفرنسا ودبلوماسيين غربيين آخرين يعملون على الملف، نقلوا له أجواء اجتماعاتهم المباشرة مع حزب الله. وهو بات على علم بأن اليونان لم تعد قادرة على التعاطي بخفّة مع موضوع الاستخراج وكأن الأمر لا يعنيها، ولا سيما أن الجانب اليوناني تلقّى بطرق مختلفة كلاماً وإشارات عملانية واضحة من جانب المقاومة أشعرته بأن هناك مخاطر جدية وكبيرة تحدق بالعمل الذي تنوي شركة «انيرجيان» القيام به. وبات اليونانيون، كما أصحاب شركات عالمية تعمل في السواحل الفلسطينية، يدرسون الأمر من زاوية خطر الضرر المباشر والكبير الذي لن يقتصر على تعطيل أعمال، بل على تدمير الآليات المكلفة العمل في فلسطين، وهو ما تحوّل الى مادة نقاش جديدة بين هذه الشركات وحكومة العدو.
لم يعد هناك الكثير ليقال. هناك فرصة أخيرة، يمكن للعدوَّين الأميركي والإسرائيلي التعامل معها بدرجة عالية من الجدية، وبالتالي إما أن نكون أمام عناصر واضحة لتفاهم جليّ لا يترك أي نقطة مبهمة، أو أن العدوّ يستدعي الحرب إليه!