«حلّ فصل الصيف أخيراً! في عالم الدبلوماسية - كما يعرف كثيرون منكم - يشهد الصيف بشكل روتيني لعبة كراسٍ متحركة لسفراء: هذا الأسبوع، وافق مجلس الوزراء في برلين على تعيينات جديدة لسفراء حول العالم. وهذا الإجراء يشملني أنا».بهذه التغريدة، أعلن السفير الألماني أندرياس كيندل خبر نقله من بيروت. لم تلقَ التغريدة تفاعلاً إلا من قلة قليلة ممن استفادوا من خدمات السفارة المالية خلال سنوات خدمة كيندل، رغم السخاء الكبير للسفارة والمنظمات التابعة لها في تمويل مشاريع لعدد غير قليل من المستفيدين المباشرين، إذ لم يكن كيندل محبوباً بين لبنانيّي منصات التواصل، رغم أنّه كان يحاول جاهداً كسب ودّهم.
ورغم ما أعلنه في تغريدته، علمت «الأخبار» أن نقل كيندل من بيروت لم يكن روتينيّاً تماماً، بل هناك عوامل كان لها دور في نقله الآن، وليس بعد سنة كما كان يوحي هو لمخالطيه. أهمّ هذه العوامل هو ممارساته المتعجرفة التي أغضبت الكثير من مؤسسات الدولة اللبنانية التي كانت تتعامل معه، بدءاً بوزارة الخارجية التي اشتكت مراراً، مروراً بقصر العدل، وصولاً إلى الحادثة الأخيرة في مطمر الجديدة، حيث تصرف السفير كأنّه «قرِفٌ» من أداء وزارة البيئة. أضف إلى ذلك عشرات التدخّلات المباشرة في السياسة الداخلية اللبنانية وانحياز واضح إلى أقليّة تستهويه، مقابل ازدراء عنصريّ لأكثريّة مكوّنات الشعب اللبناني الطائفية والسياسية. هذه التصرفات تخالف بشكل صريح اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، لكنّ السفير الألماني لم يأبه لذلك، إذ كان يتصرّف كأنه مندوب سامٍ لا يعلو على كلامه كلام.
ومع ان كيندل حظي بدعم غير مسبوق من إدارته، وخصوصاً عندما وبّخه وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، فخرج من الخارجية ليبعث برسالة عاجلة الى حكومته يقول فيها إنه تعرض للازدراء والتهديد. وعمدت حكومته الى التعبير عن غضبها عبر رسالة ألزمت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الاعتذار منه شخصياً، والاحتفاء به في السرايا الحكومية. وهو أمر لم يغظ وزير الخارجية فقط، بل حتى زملاء كيندل من السفراء الأوروبيين. وينقل عن سفيرة أوروبية بارزة قولها: «الدول لا تتّكل فقط على أخلاق السفراء، بل على وجوب احترامهم قوانين البلد، والمشكلة ليس فقط في فوقية كيندل، بل بالدونية التي تتصرّفون فيها أنتم معه».
العامل الآخر الذي كان له دور في عدم تمديد إقامة كيندل في بيروت هو التغطية الإعلامية السلبية التي كانت تجلبها ممارساته لجمهورية ألمانيا الاتّحادية، وطبعاً جلّ هذه التغطية الناقدة لتصرّفات هذا السفير المتجاوزة لكل أصول الدبلوماسية كانت على صفحات «الأخبار». وكيندل ليس شاباً متدرّجاً متهوّراً، بل ستّينيّ قارب التقاعد، ومع ذلك كان يتصرّف كالطفل المدلّل، وقد يكون لمناخ لبنان المعتدل دور في تلك التصرّفات.
مهما كانت الأسباب، تطوي ألمانيا إحدى أسوأ صفحاتها الدبلوماسية في بيروت، في ظروف تشهد تحولات كبرى في أوروبا وفي العالم العربي، على أمل أن يكون بديل كيندل أقل وقاحة وخرقاً لأعراف التعامل بين الدول. لكن ما يثير القلق هو أن وزيرة الخارجية الألمانية الحالية أنالينا بيربوك، من حزب الخضر، خرّيجة المدرسة «السوروسية»، لذلك قد يكون السفير القادم أكثر وقاحة.