صدر عن الأمم المتحدة بيان أعربت فيه عن «قلقها» إزاء تقارير موثوقة بشأن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية. وعبّر خبراء الأمم المتحدة في البيان عن الصدمة من التقارير التي تتحدث عن الاستهداف «الإسرائيلي» المتعمّد والقتل خارج نطاق القانون والقضاء للنساء والأطفال الفلسطينيين في الأماكن التي لجأوا إليها، أو أثناء فرارهم، مع الإشارة إلى أن بعضهم كان يحمل قطعاً من القماش الأبيض عندما قتلهم الجيش الإسرائيلي. وأعرب الخبراء عن قلقهم البالغ إزاء الاعتقال التعسفي لمئات النساء والفتيات الفلسطينيات، بمن في ذلك مدافعات عن حقوق الإنسان وصحافيات وعاملات في المجال الإنساني في قطاع غزة والضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وبحسب ما ورد، تعرضت العديد من النساء لمعاملة لا إنسانية ومهينة، وحُرمن من الفوط الصحية والغذاء والدواء، وتعرضن للضرب المبرح. وفي مناسبة واحدة على الأقل، جرى توثيق أن النساء الفلسطينيات المحتجزات في غزة أبقين في قفص تحت المطر والبرد دون طعام. وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد وثّق عدة حالات عن تعرض المعتقلات الفلسطينيات من قطاع غزة لعنف جنسي مباشر من قبل أفراد من الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك وضع اليد على الأعضاء الخاصة، والإجبار على التعري، وخلع الحجاب، وتهديدهن بالاغتصاب وهتك العرض.
تعرَّضن للتفتيش العاري وهُدّدن بالاغتصاب
اعتُقلت إحدى السيدات الفلسطينيات وهي من سكان حي «الشيخ رضوان» في 28 كانون الأول/ ديسمبر 2023، من داخل مدرسة لإيواء النازحين تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، وبقيت في الاحتجاز مدة 43 يوماً. تقول السيدة الأربعينية إن جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المدرسة فجراً واستدعى الرجال وأجبرهم على خلع ملابسهم واحتجازهم، ثم تمّ استجواب النساء عبر طلب فحص هوياتهن الشخصية، مشيرة إلى أن قوات الجيش طلبت منها الدخول إلى غرفة للخضوع لمعاينة طبية. وأضافت: «بعد دخولي الغرفة تم تفتيشنا ونحن عاريات بالكامل داخل مكان مغلق، وظلت المجندات يضربننا بشدة». وأضافت أنها تعرضت للتفتيش العاري عدة مرات في أماكن مفتوحة وبوجود جنود ذكور، فيما قامت مجندة خلال تعريتها بإهانتها والبصق عليها والتعليق على جسدها. وأوضحت أنها تعرضت للاحتجاز مدة 11 يوماً داخل قفص يشبه "قفص الحيوانات" في العراء، وكانت مكبّلة طوال الوقت وسط أجواء شديدة البرودة، فيما لم توجد في المكان سوى دورة مياه واحدة دون طعام أو ماء كافٍ، موضحة أنه تمّ التحقيق معها عن أفراد عائلتها بينما كانت مقيّدة على كرسي، بحسب المرصد الأورومتوسطي. كما أفادت بأنه تمّ التحقيق معها مرة أخرى بعد أربعة أيام من وجودها داخل قفص وابتزازها بعدم رؤية أبنائها مجدداً في حال عدم تعاونها مع المحققين، فيما تعرضت لإهانات لفظية من الجنود‬ والمجندات فضلاً عن تصوير الأسيرات بالهواتف المحمولة لتوثيق تعذيبهن وسط تجاهل تدهور حالتهن الصحية.
في جريمة أخرى، تقول سيدة فلسطينية إنه تمّ اقتيادها مع النساء إلى مسجد قريب بعد اقتحام المدرسة بالآليات العسكرية، حيث تمت تعرية الذكور واستجوابهم، ومن ثم مصادرة بطاقاتهم الشخصية واستجوابهم جميعاً بشكل فردي. وأضافت أنه تمّ التحقيق معها من قبل جنود هددوها بالاغتصاب في حال عدم إطاعة أوامرهم بتسجيل مقاطع مصوّرة تهاجم حركة "حماس"، إلى جانب تهديدها بعدم رؤية أبنائها في حال عدم استجابتها لهم.
«كانت مرحلة الاحتجاز صعبة للغاية وتعرضت لشد عضلي في يدي المكبّلة، وعندما حاولت تعديل وضعيتي، قامت المجندة الإسرائيلية بضربي بشدة على ظهري. ثم تمّ نقلنا بالشاحنة إلى منطقة جبلية بالقرب من مدينة القدس في مركز احتجاز يُدعى عاناتوت، وكانت درجة الحرارة هناك منخفضة وعانينا من البرد الشديد»، تقول فتاة عشرينية من سكان مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، والتي أفادت بأنه عند اعتقالها تمّ تكبيل يديها من الخلف ووضع عصابة على عينيها وتفتيشها وهي عارية من ملابسها باستثناء الملابس الداخلية، قبل أن يتم نقلها مع معتقلات أخريات عبر جيب عسكري إلى موقع "زيكيم" العسكري، فيما تركهن الجنود على الرصيف لمدة تقارب الساعتين وهم يسخرون منهن ويتحدثون بالعبرية.
من جهتها، قالت إحدى سكان شمال غزة، إنها تعرضت للاعتقال في 3 كانون الأول/ديسمبر الماضي أثناء نزوحها مشياً على الأقدام عبر حاجز (نتساريم) العسكري إلى جنوب قطاع غزة. وقالت إنه عند اعتقالها تمت مصادرة كل مقتنياتها من ذهب وأموال وهاتف محمول وأغراض شخصية، وأُجبرت على خلع ملابسها قبل أن يتم تقييد يديها وتعصيب عينيها ونقلها إلى مركز احتجاز في موقع (زيكيم) وإخضاعها لجلسات تحقيق قاسية تتضمن معاملة قاسية من ضرب وتعذيب وتوجيه ألفاظ نابية. وأوضحت أنه تمّ رفض تلبية أبسط احتياجاتها، بما في ذلك توفير رعاية لها خلال فترة الدورة الشهرية، وقد تمّ ابتزازها في عدة مناسبات بما في ذلك الطلب منها العمل لصالح المخابرات الإسرائيلية وتهديدها بالتعذيب والقتل في حال أصرت على الرفض. وأضافت أنه تمّ نقلها لاحقاً إلى سجن "الدامون" داخل باص، وتعرضت خلال ذلك لاعتداء بالضرب الشديد من جندي، وقد خضعت لمزيد من الاستجواب، وتخلل ذلك الاعتداء الجسدي عليها وهي عارية من ملابسها فضلاً عن احتجازها في العراء في البرد الشديد، وذلك قبل أن يتم الإفراج عنها في 19 كانون الثاني/يناير الماضي.

التحقيق الجنائي في قضايا الاعتداءات الجنسية
يسمح التحقيق الجنائي بجمع الأدلة المادية مثل الحمض النووي، وسوائل الجسم، وغيرها من المواد ذات الأثر من مسرح الجريمة والضحايا. يمكن أن تكون هذه الأدلة حيوية في إثبات وقوع الجريمة وتحديد مرتكبيها. كما أنه في حالات الاعتداء الجنسي، يمكن للضحايا الإدلاء بشهاداتهم حول تجاربهم ويمكن للأدلة الجنائية أن تدعم هذه الشهادات، ما يوفر مصداقية إضافية لرواية الضحية ويعزز القضية ضد الجناة. كما ينتج التحقيق الجنائي توثيقاً تفصيلياً للإصابات والأدلة المادية والتي يمكن تقديمها كدليل في الإجراءات القانونية. وتساعد هذه الوثائق على ضمان تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة على أفعالهم.
الجنود الإسرائيليون هددوا إحدى المعتقلات بالاغتصاب في حال عدم إطاعة أوامرهم بتسجيل لها مقاطع مصوّرة ضد «حماس»


عادةً ما تتضمن إجراءات التحقيق الجنائي في جرائم الاعتداء الجنسي الخطوات التالية:
- فحص مسرح الجريمة: يقوم الخبراء الجنائيون بفحص مسرح الجريمة للتعرف إلى الأدلة المادية وجمعها. قد يشمل ذلك الصور الفوتوغرافية والرسومات والتوثيق التفصيلي للمشهد.
- فحص الضحايا: يتم فحص ضحايا الاعتداء الجنسي من قبل متخصصين طبيين مدربين في الطب الشرعي. ويهدف هذا الفحص إلى توثيق أي إصابات جسدية أو أدلة على الاعتداء الجنسي، وجمع عينات بيولوجية لتحليل الحمض النووي، وتقديم الرعاية والدعم الطبي للضحية.
- جمع الأدلة: يقوم محققو الأدلة بجمع أنواع مختلفة من الأدلة، بما في ذلك الملابس والفراش والسوائل الجسدية وعينات الحمض النووي. يتم إيلاء عناية خاصة للحفاظ على الأدلة وتعبئتها للحفاظ على سلامتها للتحليل.
- التحليل الجنائي: يتم تحليل الأدلة المجمعة في المختبرات الجنائية المتخصصة. ويمكن إجراء تحليل الحمض النووي للتعرف إلى وجود مادة بيولوجية من مرتكب الجريمة. يمكن أيضاً استخدام التقنيات الجنائية الأخرى مثل تحليل بصمات الأصابع أو التحليل الكيميائي اعتماداً على طبيعة الأدلة.
من جهة أخرى يُعد العنف الجنسي سلاحاً يتم استخدامه في زمن الحرب، ويطرح جمع الأدلة لهذه الجرائم تحديات عدة منها الوصول إلى الضحايا ومسارح الجرائم على وجه السرعة. كما يمكن للأدلة أن تتدهور بسرعة، خاصة في البيئات التي تفتقر إلى مرافق تخزين مناسبة. وقد يتردد الضحايا في الإبلاغ عن الجريمة بسبب الخوف أو الخجل أو عدم الثقة في آلية التحقيق.