أصرّ الكاتب المسرحي المصري أبو العلا السلاموني (1941- 2023) ألا تكون وفاته مجرد حدث عادي، يمرض وينقل إلى المستشفى، فيفشل الأطباء في علاجه ثم تعلن أسرته وفاته.هذه نهاية يمكن تقبّلها لرجل بلغ الـ82 من عمره. أما ما حدث غير ذلك. قبل أيام، دعا السلاموني إلى اجتماع لمجلس إدارة «المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية»، مع عدد من الكتاب والأدباء لمناقشة مقترح المركز لوقف الإصدار الورقي لمجلة «المسرح» والاكتفاء بموقعها الإلكتروني.
بدأ الاجتماع، بعد ظهر الأحد الماضي، وبدا السلاموني متحمّساً ومدافعاً عن استمرار الإصدار الورقي، مؤكّداً على الدور الكبير للمجلة في نشر التوعية حول المسرح وتشكيل وعي أجيال من المسرحيين والمثقفين، مضيفاً أنّ الدول العربية تصدر مجلات متخصصة في المسرح ولم تتجه إلى وقفها. ويبدو أن جسد السلاموني لم يتحمّل الانفعال الذي كان يتحدث به، ففقد وعيه أثناء الاجتماع ثم أعلن عن وفاته.


وهكذا كانت وفاة السلاموني صرخةً صادقة بما يؤمن به ويدافع عنه، مثلما فعل طوال مسيرته التي قدم فيها أكثر من 40 نصاً، ورأس تحرير سلسلة «نصوص مسرحية» التي كانت تصدرها «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، وكان عضواً في اللجنة الدائمة للمسرح في «المجلس الأعلى للثقافة».
والسلاموني من مواليد محافظة دمياط (شمالي مصر)، تخرّج في معهد المعلمين عام 1959، وعمل في التدريس في بداية حياته، لكنّه قرر استكمال دراسته وحصل على إجازة في الآداب من جامعة القاهرة عام 1968. كان السلاموني أحد أبناء جيل الستينيات الذين عاشوا أحداثاً جساماً: ثورة 23 يوليو وحلم التحرر من الاستعمار والوحدة العربية ثم نكسة 5 يونيو وصدمة الهزيمة وأمل تحرير الأرض المحتلة، ثم انتصار 6 أكتوبر واسترداد الأرض. هذا الجيل الذي تأرجح بين نظام ناصري اشتراكي وانفتاح ساداتي يحارب الأفكار اليسارية ويفتح الطريق أمام التيارات الإسلامية.
يظهر هذا التكوين في أعمال السلاموني، مستفيداً من دراسته الفلسفة، وكان الصراع في مسرحياته في الغالب هو صراع أفكار. مرة يكون سلطوياً، وأخرى حضارياً، وكذلك نفسياً وطبقياً ونوعياً وفكرياً. بهذه الخلفية، كتب السلاموني معبّراً عن حال المجتمع المصري والعربي وعلاقة الشرق بالغرب، متميزاً في إنتاجه بالتنوّع والثراء المعرفي والإنساني. وكان أحد الكتاب الذين بحثوا عن الهوية المصرية والسعي إلى إنشاء وتأصيل مسرح مصري له كيانه المستقل، معتمداً على ثلاثة محاور رئيسية في أعماله هي: التاريخ، والتراث الشعبي العربي والغربي، والقضايا الاجتماعية المعاصرة.
عن أزمة احتلال الأرض، كتب مسرحية «الأرض والمغول» (1971)، وعن الإرهاب الديني والسياسي كتب مسرحية «السحرة» (1975)، و«أمير الحشاشين» (1993) (طرح من خلالهما أن السلطة هي التي سمحت لهذه التيارات بممارسة نشاطها ضد خصومها، وتركت لها الساحة لمباشرة مهامها إلى أن تبنت تلك الجماعات الدينية أفكاراً متطرفة ضد الدولة)، وكذلك «ديوان البقر» (1994). وعن قضية الديموقراطية كتب «سيف الله» (1965) و«أبو زيد في بلدنا» (1969)، و«رجل في القلعة» (1980)، وتناول مسألة الحرية في مسرحيات «تحت التهديد» (1964)، و«الحريق» (1968)، و«أبو نضارة» (1986). أما العلاقة بين الشرق والغرب، فكانت من بين مشاغله أيضاً، فكتب عنها مسرحيات «زوبة المصرية» (1994)، و«المصري وأميرة الفرنجة» (1998)، و«الحادثة التي جرت في شهر سبتمبر» (2002)... عمل السلاموني مع مخرجين كبار من بينهم جلال الشرقاوي وعبدالرحيم الزرقاني، وسعد أردش، وكرم مطاوع، وعبدالرحمن الشافعي.
ومثلت مسرحيته «مآذن المحروسة» (إخراج سعد أردش) المسرح المصري في «مهرجان القاهرة الأول للإبداع العربي» عام 1984، وكذلك مثلت مسرحيته «الثأر ورحلة العذاب» (إخراج عبدالرحيم الزرقاني) المسرح المصري في «مهرجان جرش» في الأردن عام 1986.
كتب السلاموني أيضاً للتلفزيون مسلسلات «البحيرات المرة»، و«الحب في عصر الجفاف»، و«قصة مدينة»، و«نسر الشرق»، بالإضافة إلى كتابته السيناريو والحوار لعدد من المسلسلات.
حصل السلاموني على تقدير كبير خلال مسيرته بحصوله على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عن النص المسرحي عام 1984، ووسام الدولة في العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1986، وجائزة أفضل نص مسرحي من «معرض الكتاب الدولي» في القاهرة عام 1992، وكذلك جائزة أحسن نص مسرحي بالفصحى من منظمة الألكسو في «مهرجان قرطاج الدولي» عام 1995، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2018. وأصدرت له الهيئة العامة للكتاب أربعة مجلدات تضم أعماله الكاملة من المسرحيات التي سبق أن نشرها أو عرضها.