في الفن السابع، كان غياب مهرجان «أيّام قرطاج السينمائية» مثيراً للجدل، فللمرة الأولى يغيب هذا الحدث العريق، بعدما أعلنت وزارة الثقافة قبل ساعات من افتتاح المهرجان عن إلغاء دورة 2023 تعاطفاً مع غزّة الجريحة. قرار رفضه معظم السينمائيين وأثار استياء عشّاق السينما الذين اعتبروا أنّه كان يمكن توظيف المهرجان في خدمة القضية الفلسطينية التي كانت «الأيّام» تاريخياً منصّة لها ولقضايا التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية ومواجهة الاستعمار والصهيونية والإمبريالية.
ورغم غياب «الأيّام»، شهدت القاعات التونسية إقبالاً كبيراً على الأفلام الجديدة، وخصوصاً «بنات ألفة» لكوثر بن هنية الذي شارك في «مهرجان كان السينمائي». ومن الأفلام اللافتة أيضاً، فيلم «إبرة» لعبد الحميد بوشناق، و«المابين» لندى المازني وهما من المخرجين الشباب تناولا في الفيلمين موضوع «مزدوجي الجنس» الذي يعتبر من القضايا المسكوت عنها في المجتمع التونسي ويخفي وراءه معاناة نفسية للعائلات وتنمّر اجتماعي تعانيه هذه الفئة التي لم تختر هذا المصير الموجع. تشابه الموضوع أثار جدلاً، إذ اتّهمت المخرجة ندى المازني زميلها بوشناق بـ «سرقة» فكرة الفيلم. أمر نفاه عبد الحميد بوشناق، مؤكّداً أن الالتقاء في الفكرة نفسها ليس ممنوعاً لأن لكل مخرج وجهة نظر ونظرته الفنية الخاصة. ومن الأفلام التي سجّلت حضورها في الشارع الفني «بيستاردو» لنجيب بلقاضي الذي أعاد تقديمه بعد عشر سنوات على عرضه الأوّل، لكن بنظرة ومونتاج ورؤية جديدة.
شهد عام 2023 عودة المسرح الوطني (1983) إلى الواجهة بعد عامين من الغياب. على أثر مغادرة المخرج المعروف فاضل الجعايبي، عُيِّن معز مرابط مديراً عاماً لـ «مؤسسة المسرح الوطني»، ما منحه نفساً جديداً بعد أربعين عاماً على تأسيسه. نجح مرابط في إحياء «أسبوع المسرح التونسي» الذي توقّف في عام 1990 بعدما كان قد انطلق في بداية السبعينيات. «أيّام قرطاج المسرحية» التي تأسّست في 1983، استعادت ألقها بدورة استثنائية ترافقت مع صدور كتاب فني فاخر يوثّق لذاكرة المهرجان أعدّه الباحث والأكاديمي محمود الماجري. وفي عام 2023، تابع الجمهور أعمالاً عديدة منها «شعلة» لأمينة الدشراوي و«الهروب من التوبة» لعبد الواحد مبروك و«الفيرمة» لغازي الزغباني و«عشاء الكلاب» ليوسف مارس و«مايراوش» لمنير العرقي و«قونة… قاعة انتظار» لفرحات دبّش وغيرها.
عودة المسرح الوطني إلى الواجهة بعد عامين من الغياب
منذ بداية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، احتلّت فلسطين محور كل التظاهرات الثقافية سواء في الفضاءات الرسمية أو الخاصة. شهدت المدن التونسية أنشطة ثقافية محورها فلسطين بعرض أفلام فلسطينية أو أخرى قاربت القضية، إلى جانب ندوات فكرية حول الحركة الصهيونية وتاريخها الإجرامي وثقافة المقاومة وأدباء فلسطين أمثال محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، واميل حبيبي وغيرهم، ومعارض تشكيلية ومعارض كتب ووثائق حول فلسطين. وفي السياق نفسه، قدّم المطرب لطفي بوشناق والممثلة هند صبري وهما من نجوم الثقافة التونسية، استقالتهما من منصب «سفير النوايا الحسنة» احتجاجاً على الصمت المريب إزاء مجزرة القرن.
المكتبات التونسية شهدت في عام 2023 طبعات جديدة لكتب قديمة حول فلسطين منها كتاب المؤرخ الهادي التيمومي عن الحركة الصهيونية وعناوين أخرى منها «الحدث الوحش» لفتحي ليسير حول تداعيات أزمة كوفيد 19 في العالم وتعاطي المفكرين والإعلاميين معه وكتاب ألفة يوسف «حبيبات اللّه» الذي تتبّعت فيه خطى الوليات الصالحات.
وككل عام، فقدت تونس مجموعة من الشخصيات البارزة منها «رائد فن العرائس» لسعد المحواشي عن 63 عاماً، و«ذاكرة المسرح التونسي» محمد كدوس عن 81 عاماً، والفنان فيصل رجيبة عن 59 عاماً. وسجّل عام 2023 حادثة مؤسفة في مدينة القيروان، إذ سقط جزء من جدار المدينة العتيقة وتسبّب في وفاة ثلاثة عمّال كانوا يعملون في ترميم المعلم التاريخي.