الكتاب الصادر باللغة الإنكليزية عام 1974 حمل عنوان Weber and Islam: A Critical Study. تنهض فرضيته الأساسية على القول إن البروتستانتية ساعدت على تكوين الرأسمالية الجديدة بينما بقي الإسلام في بنيته مناهضاً لها لأنه قائم على «دين المحاربين» أي الأخلاق العسكرية ولا يملك قاعدة «تزهدية».
تميز تيرنر بسجاله النقدي وبقدرته على حشد المقارنات وتفكيك أفكار فيبر عن نشأة الإسلام وشخصية الرسول. درس ثلاثة جوانب: أولها، تفسير فيبر لمحتوى الأخلاق الإسلامية، ثانيها، قيادة المتصوفة الإسلام الشعبي باتجاه «دين الهروب الصوفي»، ثالثها، البناء السياسي والاقتصادي للدول الإسلامية في العصور المتأخرة وهو ما يسميه فيبر «البيروقراطية الوراثية. جاءت تعليقات فيبر عن الإسلام متناثرة في ثنايا علم الاجتماع. لم يقدم عملاً متكاملاً، إذ حاول أن يدعم فرضياته عن الإسلام بدراسة لكنه لم ينجزها.
تطرق تيرنر في كتابه الى فلسفة فيبر في العلوم الإجتماعية والمشاكل التي تعترضها، وبعدها استعان بمنطلقات فيبر لينقد معالجته للإسلام ونشأته وشخصية الرسول الإلهامية وفكرة الله والإنسان في الدين التوحيدي والعلاقة بينه في صورته السنيّة الرسمية والتصوف مقارنة بالمسيحية، وعالج الحياة التنظيمية والسياسية التي تمظهرت في الحكومة الوراثية ومشكلة انتقال السلطة والتحضر والفقه وتدهور وسقوط الدولة العثمانية.
وجد فيبر أن العديد من المتطلبات اللازمة لنشأة الرأسمالية مثل القانون العقلاني والأسواق الحرة والتقنية لم يكن لها وجود في البلاد الإسلامية، ويأخذ عليه تيرنر أنّ الإسلام في الأساس «كان إنتصاراً للتجار وأصحاب الأموال في مكة على الفوضى القبلية والقرآن قد تخللته لغة التجارة». يعتبر صاحب Orientalism, Postmodernism and Globalism (الإستشراق ما بعد الحداثة والعولمة) أن فيبر سقط في خطأ منهجي. ملاحظاته عن الإسلام والرأسمالية كانت نوعاً من النتائج السوسيولوجية المترتبة على تحليله للأخلاق البروتستانية. نظر (أي فيبر) الى دين محمد على اعتباره نقيض مذهب التطهرية؛ «شهوانياً تجاه النساء والكماليات والملكية». وخلص فيبر الى أنّ الإسلام التاريخي لم يعرف المدن المستقلة وطبقة التجار والقانون الرسمي. الثلاثية المشار اليها توطد العلاقة بين المجتمعي/ الديني والرأسمالي على شاكلة ما حدث في البروتستانتية، وقد عزز فرضيته بالقول إنّ «نظام الإقطاع الوقفي والبيروقراطية الإرثية التي كانت تتميز بها الدولة العباسية والمملوكية والعثمانية» حالت دون متطلبات العقلانية الممهدة للرأسمالية.
ينقد تيرنر هذه الخلاصة ويماثل بين وجهة نظر فيبر حول مفهوم «السيطرة الإرثية» في الإسلام والمجتمع الآسيوي لدى ماركس (أي الاستبداد الشرقي)، علماً أن الأول وجّه نقداً للماركسية، ورفض وجود علاقة مباشرة بين البنية الاقتصادية التحتية والبنية الثقافية الفوقية، ودحض المادية التاريخية الماركسية، إذ فسر السلوك الاقتصادي من خلال الدين. وهنا يرى تيرنر أن العلاقة بين فيبر وكتابات الفيلسوف الألماني «أكثر تعقيداً».
يميز فيبر بين ثلاثة نماذج مثالية للسلطة تعتمد على تصورات مختلفة للشرعية: السلطة الملهمة والسلطة التقليدية والسلطة القانونية. يفحص تيرنر السلطة الملهمة بشيء من التفصيل بغية توضيح المقاربة الفيبرية تجاه النبي والإسلام التي تقوم على الطاعة لا للتقاليد أو القواعد بل لشخص له نوع من القداسة والبطولة. «وبينما تنطوي السلطة القانونية والتقليدية على الاستقرار واستمرارية العلاقات فإن السلطة المهلمة ذات حياة قصيرة" تقود الى ما يسميه "الإلهامية الوراثية". المحور الأهم في هذه الزاوية أن فيبر رأى أن النبي بنى رسالته على "الإستئناس بمثالية الماضي" بمعنى أن الإلهامية تعتمد على القيم التقليدية عبر تحويلها وتحديثها وليس على التجديد أو الإبعاد الكلي للتقاليد.
قد يكون صاحب "الاقتصاد والمجتمع" أصاب في نظريته هذه لكنه لم يتنبه الى قضية جوهرية مفادها أن الرسول قاد عملية إصلاحية كبيرة طاولت الديني والسياسي والمجتمعي، وصحيح أنه قام بتعديل بعض الجوانب الدينية والطقوس السائدة عند عرب الجاهلية، إلاّ أنه أرسى خطاباً ثورياً وخلاصياً لا سيما في حقبة القرآن المكي. عدا أنه ناهض الأنماط القبلية وتعامل ببراغماتية إذا جاز التعبير مع طبقة التجار في قريش، وهذا التعامل ينم عن شكل من أشكال التكيف المحمدي مع الواقع خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن الرسول حافظ على المصالح التجارية لمكة التي كانت مركزاً تجارياً وتبادلياً في الجزيرة العربية. أضف الى ذلك أن الفتوحات الإسلامية لم تأتِ لنشر الدعوة الجديدة فحسب بل شكل العامل الاقتصادي جزءاً أساسياً منها.
عمل صاحب Religion and Social Theory (الدين والنظرية الاجتماعية) على تحليل قراءة فيبر للعلاقة بين المجتمع الإسلامي والرأسمالية العقلانية، مقارناً مرة أخرى بين الرؤيتين الفيبرية والماركسية لنمط الإنتاج الآسيوي وعلاقته بالاسلام.
وبعدما قارب الأنماط الاقتصادية التي أنتجتها السلطة الوراثية في الإسلام كما تصورها فيبر وتناقضها البنيوي مع المدينة المستقلة (كمعطى مجالي لبروز الرأسمالية) خلص تيرنر الى أنّ «الإعتقاد أن الإسلام كان يسيطر عليه أسلوب حياة ومصالح طبقة المحاربين العرب كان من بين أخطاء فيبر الكبرى». وقد طبق خلاصته هذه على نوعية المدن التي سادت في العهد المملوكي وجمعت بين دور التجار وعلماء الدين.
استعان تيرنر بالحركة الاصلاحية الإسلامية للرد على فيبر. الإصلاحيون من أمثال محمد عبده وجمال الدين الأفغاني أكدوا على دور العقلانية في الإسلام التي نفاها عالم الاجتماع الألماني «وبينما لم يكن لفيبر أي اتصال مباشر مع الاصلاح الاسلامي، إلاّ أن نظرية الأخلاق البروتستانتية جاءت لتناسب المجتمع الإسلامي لأنّ المصلحين قبلوا الآراء الأوروبية واعتبروها آراء حديثة».
تحت عنوان «الاسلام والعلمانية»، ركز تيرنر في هذا الفصل الهام جداً على إرهاصات العلمانية في الاسلام، واختار تاريخ تركيا الحديث مجالاً لدراسته. لا يتوقف عند الإجراءات الصارمة التي اتخذها كمال أتاتوريك فقط بل يضعنا أمام التمظهرات الأولية التي اتخذت في عملية الاصلاحات التعليمية والقانونية التركية وبدأت في عهد محمد الثاني (1785 ـــ 1839). وفي نهاية تحليله، أقام تمييزاً بين العلمانية التركية والعلمانية الأوروبية بناءً على معيارين: الأول، أنها فرضت في تركيا فرضاً ولم تنبع ذاتياً عن التحديث الاقتصادي بل أتت نتيجة مجموعة قرارات سياسية، والثاني، التقليد الواعي للنموذج الأوروبي دون أن يعني أنها (أي العلمانية التركية) "كانت زائفة".
يُعدّ «علم الاجتماع والإسلام» من أهم المصادر لفهم المقاربات الفيبرية حول الإسلام. استند تيرنر الى منهجية النقد المقارن ما سهل فهم مقولات فيبر. يبقى أن درجة التخصص العالية في الكتاب تُلزم القارئ على إجراء قراءة ثانية نظراً إلى تشعبه ودقته وحياده العلمي وكثافة أفكاره.