فهم صنّاع الدراما الهوليووديون منذ مدّة تأثير ألعاب الفيديو ومدى قدرته على الجذب لعشاق الدراما، التلفزيون، وبالتالي المتابعين. من هنا كانت صناعة مسلسل قصير (يمتد على ثماني حلقات فقط) مشتق من لعبة Fallout أمراً بديهياً. لعبة الفيديو ذات النفس «البوست أبوكاليبس» (post-apocalyptic) اخترعها توم كاين وليونارد بيوارسكي لشركة «انتربلاي انترتاينمت» في عام 1997. ظلّت تجذب جمهورها حتى جزئها الأخير Fallout 76 الذي صدر في عام 2018، مع العلم أنَّ الشركة المنتجة الحالية (أي Bethesda Softworks) تحضّر للجزء الخامس من اللعبة المعنون Fallout 5 في الأعوام الثلاثة المقبلة.

يحكي المسلسل (تنتجه شركة «أمازون» وتبثه عبر «أمازون برايم») المقتبس عن اللعبة (بحرفيةٍ إلى حدٍ ما)، حكاية عالم ما بعد الحرب العالمية الكبرى التي وقعت عام 2077. إنها أرضٌ دمّرتها الحروب النووية. وفي الوقت نفسه، هي أرضٌ تقع في عالمٍ موازٍ تختلف عن كوكب الأرض كما نعرفه، إذ إن تطوّرها قائمٌ على مرحلة «العصر النووي» الذي حصل ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تتطوّر بعده جراء الحرب التي حدثت فيها. في المسلسل، تعيش مجموعةٌ من الناجين في مخابئ نووية أعدّتها شركة «فولت تيك» (vault-tec)، كي تكون بمثابة حماية للبشرية في حال حدوث حرب نووية وهو ما يحدث بالفعل. لوسي (ايلا بورنيل) هي إحدى الناجيات في هذه المخابئ، تعيش حياةً هانئة في «المخبأ 33». ما يدمر هذه الحياة هو هجومٌ من سكان «السطح» على مخبئها، وخطفهم والدها. يحدث هذا الهجوم بعد أكثر من 200 عام على الحرب الكونية، والانفجارات النووية الكبرى. يعرف المشاهدون بعد ذلك أنّ هناك أناساً نجوا على السطح، وأنّ هناك حياةً عليه. هذه الحياة مشوّهة بالكامل، ومتأثرة بشكلٍ حقيقي بالانفجارات النووية التي حدثت. لقد حدث تحوّر لدى الحيوانات والنباتات وحتّى البشر شكلاً، وعقلاً، ومنطق تفكيرٍ وحياة. لقد تدمّرت معظم العقود الاجتماعية البشرية، ما خلق مجتمعاتٍ جديدة. أثناء رحلتها للتفتيش عن والدها لاحقاً، تلتقي بماكسيموس (آرون موتين)، وهو مقاتلٌ شاب من طائفة عسكرية تسمى «أخوة الفولاذ» (brotherhood of steel)؛ وهؤلاء عبارة عن بشر يعيشون حياةً عسكرية، ويرتدون دروعاً معدنية إلكترونية، محاولين السيطرة على «أرض اليباب» (wasteland) التي يعيش فيها معظم البشر ممن لم يسكنوا المخابئ النووية. في الوقت نفسه، يلاحق لوسي صائد جوائز معروف يدعى «الغول» (والتون غوغنز)، وتكشف الحلقات أنَّ الغول هو الممثل الهوليوودي الشهير كوبر هاورد، الذي تحوّل إلى «غول» أي آكل للحوم البشر ومتحوّر نووي. وهو يعالج نفسه كي لا يفقد عقله بواسطة دواء خاص يحمله ضمن عتاده.
يحاول صنّاع العمل غراهام واغنر وجنيفا روبرتسون دوريت والمخرج جوناثان نولان أن يظلا مخلصين للعبة الفيديو، وهذا ما يحصل فعلياً. يكفي فقط أن نشير إلى أنَّ معظم منصات بيع الألعاب مثل «ستيم؛ وسواها قد أعادت نشر اللعبة وباعت منها ملايين النسخ من جديد، نتيجة إطلاق المسلسل هذه الأيّام. حافظ واغنر ودوريت ونولان على معظم سمات اللعبة الأصلية، فألبسوا مثلاً البطلة «بيب-بوي» وهو عبارة عن سوار إلكتروني يعطي اللاعب قراءة لحالته الجسدية ويجعله يسيطر بشكلٍ ما على الآلات حوله. وهذا ما حصل في المسلسل. الأمر نفسه انسحب على الألوان، إذ حافظ المسلسل على الألوان الأصلية من اللعبة، فارتدت البطلة الزي الأزرق الشهير لسكان المخابئ، ولبست الساعة ذات الشاشة الخضراء، والدرع كان رمادياً وفضياً معدنياً، والجو العام كان قاحلاً، صحراوياً، مائلاً كل الوقت إلى ما يشبه الأراضي القاحلة من حيث الجو والطقس. فوق كل هذا، ميّزوا بين البطلة التي تهتم بنظافتها وعاشت تحت الأرض لسنواتٍ طوال، وبين سكان السطح، فبدت بشرتها شديدة النظافة والنقاء واللون الأبيض الناصع، فيما كان سكان السطح الذي عاشوا تحت سماءٍ منهكة بالغبار النووي متّسخين حتى ولو اغتسلوا.
شركة «أمازون» وقّعت عقداً للجزء الثاني من المسلسل


نجح مخرج العمل جوناثان نولان في تقديم عمل متكامل وتقني ذي أبعاد فنية جميلة، وهو الذي عرفه الجمهور عبر مسلسله الرائع «ويست وورلد» (westworld) الذي كان السبب في إقناع الشركة المنتجة للعبة بإسناد الإخراج إليه، كون روح المسلسلين متشابهة. منح الجو العام في المسلسل شعوراً كبيراً بالتضارب في المشاعر لمشاهديه، إذ إنه يجمع بين اليأس والدمار الكبيرين اللذين يعيش فيهما سكان السطح المدمّر بشكلٍ شبه كلي، حيث تسود العصابات والمجرمون والحيوانات المتوحشة المشوهة، والمخابئ النووية التي تعيش حياةً خلابة وأقرب إلى الجنّة. من جهةٍ أخرى، جهد صنّاع العمل في تقديم شخصيات أبطالٍ غير مسطحة، تتطوّر خلال القصّة، مثل لوسي، بطلة العمل، التي بدت بسيطة، ساذجة، وطيبة إلى أبعد حد، لكنها سرعان ما تبدأ بالتحوّل مع تطور القصة، وعلاقتها مع سكان السطح. إذ يخبرها «الغول» بأنها في لحظةٍ ما ستصبح مثله جراء تأثير السطح عليها. ماكسيموس هو الآخر، يبدأ القصّة بريئاً، شجاعاً، لكنه شيئاً فشيئاً، يصبح مثل زملائه في أخويته، قاتلاً مصمماً على الربح مهما كانت النتائج.
أدائياً، بدا أن معظم أبطال العمل يعرفون أدوارهم جيداً، فمزجوا بين شخصيات اللعبة المعتادة، وبين أدوارهم، ما خلق توازناً جيداً، وخصوصاً لعشاق اللعبة ومهووسيها الذين كانوا في انتظار ما إذا كانت الشخصيات ستكون مشابهة لتلك في اللعبة، وهذا ما حصل بالفعل. Fallout مسلسل ليس للجميع بالتأكيد، ولن يراه كثيرون كجوهرة لهذا العام، لكن بالنسبة إلى عشاق ألعاب الفيديو، وهم كثر، ومؤثرون ــــ على الأقل من الناحية الشرائية ــــ يمكن اعتباره كنزاً. يكفي أن نعلم بأنَّ شركة «أمازون» قد وقعت بالفعل عقداً للجزء الثاني من المسلسل بعد إطلاقها له بأيامٍ قليلة.

* Fallout على «أمازون برايم»