تمثّل الانتخابات المحلّية آخر محطّة في مسار «الإصلاحات السياسية» التي أطلقها تبون
وفي المشهد العام، لا يُتوقّع أن تتغيّر النتائج كثيراً عمّا كانت عليه في الانتخابات التشريعية الأخيرة. إذ ثمّة إلى جانب «الأحرار» الذين تحوّلوا إلى قوّة سياسية مستقلّة بذاتها، ثلاثة أحزاب كبرى مرشّحة للفوز، هي «جبهة التحرير الوطني» و«التجمّع الوطني الديموقراطي»، وهما حزبان محسوبان على «التيّار الوطني» ومنخرطان في الأغلبية الرئاسية داخل البرلمان، و«حركة مجتمع السلم» ذات التوجّه الإسلامي، والتي اختارت صفّ المعارضة بعد احتلالها المرتبة الثانية على مستوى الأحزاب في البرلمان. وبذلك، ستمثّل هذه الانتخابات، من جديد، مناسبة لأحزاب الموالاة القديمة التي عادت للهيمنة على المشهد بعد الحراك الشعبي لتوطيد حضورها، والردّ على مَن طالبوها بالانسحاب مع رحيل بوتفليقة. وهذا الواقع، هو ما تعتبره المعارضة الراديكالية مبرّراً لاستمرار مقاطعتها للمسار الانتخابي، على اعتبار أن السلطة، بحسبها، بعد أن رفضت الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي الذي كان يدعو إلى التغيير الجذري والشامل، تُواصل إعادة الواجهة السياسية نفسها، التي سبق للجزائريين أن ثاروا ضدّها، إلى الحُكم. ومن أبرز المقاطعين، يَظهر «حزب التجمّع من أجل الثقافة والديموقراطية»، وباقي الأحزاب المنضوية في «تكتّل البديل الديموقراطي» الذي يجمع تيّارات من اليسار المعتدل وأقصى اليسار.
وعلى خلاف مواعيد مماثلة في السابق، طغت على الحملة الانتخابية هذه المرّة، الأزمة مع المغرب، بعد اتخاذ هذا البلد من الكيان الصهيوني حليفاً وشريكاً حتى في مسائل الأمن والدفاع، وهو واقع جيو استراتيجي جديد، ترى فيه الجزائر تهديداً كبيراً عليها، كونها تظلّ من بين البلدان العربية القليلة الرافضة بشكل قاطع لمسار التطبيع، والمستمرّة في دعم القضية الفلسطينية وفق خطّ ثابت منذ قيام الدولة الجزائرية المستقلّة سنة 1962. وشنّ مسؤولو الأحزاب الجزائرية هجوماً لاذعاً على النظام الملَكي في المغرب، واعتبروا أن ما أقدم عليه يصبّ في دائرة الخيانة، كما أبدوا موافقتهم على القرار الرسمي بقطع العلاقات مع الرباط، ودعمهم قيادة الجيش في حماية الحدود الجزائرية والأمن الداخلي، في ظلّ ما تواجهه البلاد من تحدّيات خارجية.
أمّا على المستوى المحلي، فتركّزت الحملة الانتخابية على توجيه انتقادات لاذعة للسلطة الوطنية للانتخابات، والتي تتّهمها الأحزاب بـ«الإقصاء العشوائي لمرشّحيها على الشبهة فقط، ومن دون تقديم أدلّة»، وهو ما حدث مع كثير من المرشّحين الذي وجدوا أنفسهم خارج القوائم بمبرّر «اختلاطهم بالمال الفاسد»، وفق العبارة المستعملة. وعدا ذلك، طالبت العديد من الأحزاب بإعادة النظر في صلاحيات المنتخَب المحلي التي يهيمن عليها «الوالي» (المحافظ)، وهو مسؤول معيّن من طرف الرئيس لإدارة المحافظة، لكن هذا التغيير يتطلّب مراجعة شاملة لنظام حُكم الأقاليم في الجزائر، القائم على مركزية شديدة في العاصمة باتت مع الوقت محلّ انتقاد شديد، بسبب عدم نجاح النموذج المذكور في تحقيق التنمية، ناهيك عن الفوارق المسجّلة بين مختلف مناطق الجزائر التي تُعدّ بمساحتها أكبر بلد في أفريقيا حالياً.