منذ اللحظات الأولى للزلزال الذي ضرب ليل الجمعة - السبت منطقة جبال الأطلس في المغرب على شاطئ الأطلسي، وكان مركزه على بعد نحو 70 كيلومتراً جنوبيّ مدينة مراكش، وقوّته 6.8 درجات على مقياس ريختر، كان واضحاً عجز السلطات عن تلبية نداءات المنكوبين في كل المنطقة المتضرّرة التي بلغ قطرها نحو 400 كيلومتر، ولا سيما في القرى النائية التي وجد سكانها أنفسهم في العراء، بلا طعام وماء ومراتب وأغطية وخيام، ولم تجد استغاثاتهم للإسراع في إرسال المساعدات إليهم، صدى لدى السلطات المعنية. أما الملك محمد السادس، فكان منشغلاً باجتماعات متتالية لم يخرج عنها ما يفيد هؤلاء كثيراً من الناحية العملية، إذ طغى عليها التعبير عن مشاعر المواساة، من خلال إعلان حداد لمدة ثلاثة أيام والأمر بإقامة صلاة الغائب على أرواح الضحايا الذين زاد عددهم عن الألفين، مع توقع استمرار ارتفاع العدد في ظل انتشال المزيد منهم من تحت الأنقاض.في الحالات المماثلة، عادة ما تصدر بسرعة الأذونات لدخول فرق الإنقاذ والمساعدات الأجنبية، وإذا لعبت السياسة دوراً، فيحصل ذلك في حالات العداء المستحكم التي يسعى العدوّ خلالها إلى غسل يديه من الدماء وتلميع صورته، تماماً كما حصل خلال الزلزال الذي ضرب في شباط الماضي تركيا وسوريا، حين فتحت الأخيرة الأبواب واسعة للمساعدات، باستثناء الإسرائيلية. أما في حالة المغرب فصدر بيانان، أحدهما عن السلطات الجزائرية والآخر عن الفرنسية، يفيدان بأن تلك السلطات لا تزال بانتظار سماح الرباط لها بإدخال المساعدات وفرق الإنقاذ. حتى إن الجزائر عرضت فتح حدودها المغلقة منذ سنوات مع البلد الجار بسبب النزاع السياسي، ولا سيما حول الصحراء الغربية، في حين كان الملك قد وطّد في الآونة الأخيرة علاقته بإسرائيل إلى حدّ بعيد على حساب الجزائر. والنتيجة الطبيعية لهذه السياسة، هي بطء في وصول المساعدات إلى المنكوبين وتذمرهم من أداء الحكومة، كما حصل في قرية مولاي إبراهيم، التي تقع على بعد 30 كيلومتراً شمالي مركز الزلزال، حيث تحدّث السكان عن كيف أخرجوا المتوفّين من بين الحطام بأيديهم فقط. ونقلت وكالة «رويترز» عن أحدهم ويدعى ياسين، وعمره 36 عاماً، قوله إن الناجين من القرية بلا طعام ولا ماء ولا كهرباء، مضيفاً: «نريد فقط أن تساعدنا حكومتنا». وشاركه كثيرون من السكان التعبير عن شعوره بالإحباط.
الكارثة التي حلّت بالمغرب، اعتُبرت «الأعنف منذ قرن». كما وُصِف الزلزال بأنه الأقوى الذي يجري قياسه في المغرب على الإطلاق. وحتى مساء أمس، أُحصي سقوط 2122 قتيلاً على الأقل و2421 جريحاً، أكثر من نصفهم في حالة خطرة، بحسب حصيلة موقتة أعلنتها وزارة الداخلية. وهو الزلزال الأكثر دموية في المغرب منذ ذلك الذي دمّر مدينة أغادير، على الساحل الغربي للبلاد، في 29 شباط 1960. ولقي حينها نحو 15 ألف شخص، أي ثلث سكان المدينة، حتفهم.
الجزائر عرضت فتح حدودها المغلقة منذ سنوات مع البلد الجار لتقديم المساعدات


ويوضح الباحث الجيولوجي المغربي، توفيق المرابط، أنّ قرية إيغيل (مركز الزلزال) معروفة جيولوجياً بوقوعها على فوالق، وقد تحرّكت هذه الأخيرة نتيجة الضغط الذي يقع على القشرة الأرضية، والمرتبط بتقارب الصفيحتين التكتونيتين الأفريقية والأوروبية، مشيراً، وفق ما نقلت عنه «وكالة أنباء الأناضول»، إلى أنّ «منطقة الأطلس الكبير معروفة بنشاط زلزالي، إنّما بقوة غير كبيرة، تتراوح دائماً ما بين درجتَين و5 درجات على مقياس ريختر. لكن هذا الضغط على القشرة الأرضية دائم منذ الأزل وإلى الأبد، وبالتالي الطاقة التي تجتمع تتفرّغ عن طريق هذه الفوالق».
وفيما بدأ تشييع جثامين الضحايا، أكدت وزارة الداخلية، في بيان، أن السلطات تواصل جهودها لإنقاذ وإجلاء الجرحى والتكفّل بالمصابين من الضحايا، وتوفير كل الإمكانات اللازمة لمعالجة آثار الكارثة. كما تواصل فرق البحث والإنقاذ عملياتها للوصول إلى جميع المناطق التي ضربها الزلزال، ولا سيما المناطق الجبلية والنائية، حيث سقط معظم الضحايا، وهي مناطق ذات تضاريس تصعّب عمل فرق الإنقاذ، بسبب الوعورة وبعد المسافات وصعوبة إيصال المعدات اللازمة لعمليات الإنقاذ. وبحسب وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، فإن الحكومة تعمل على إيواء السكان غير القادرين على العودة إلى منازلهم في المناطق المتضرّرة، كما تعمل على «التغلّب على انقطاع الطرق في محيط مدينة تارودانت، وأولويّتنا توفير الخدمات الأساسية».
وإلى جانب المشهد المأسوي على المستوى الإنساني، كان للزلزال ضحية أخرى، هو التراث الغني للمغرب، حيث لحقت أضرار بالمدينة القديمة في مراكش المدرجة على قائمة "اليونسكو" للتراث العالمي، والتي يعشقها المغاربة والسيّاح على السواء. إذ انهارت مئذنة وأجزاء من أسوار المدينة التاريخية إلى جانب بعض المنازل القديمة. وتضرّر بشكل بالغ أيضاً أحد أهم المواقع التاريخية في جبال الأطلس الكبير، وهو مسجد تينمل المصنوع من الطوب والحجر، والذي بناه عبد المؤمن بن علي الموحدي حوالي عام 1153. وشملت الأضرار عدداً من الأحياء القديمة في مدينة تارودانت، وهي واحدة من أعرق وأقدم المدن المغربية.
وكان الديوان الملكي المغربي قد أعلن حداداً وطنياً لمدة ﺛﻼﺛﺔ أيام وتنكيس اﻷﻋﻼم فوق المباني اﻟرسمية. ووجّه محمد السادس، خلال اجتماع في القصر الملكي في الرباط، بتشكيل لجنة وزارية مكلفة بوضع برنامج ﻹﻋﺎدة بناء المنازل المدمّرة. كذلك، وجّه «بتكفل المواطنين الذين صاروا بلا مأوى»، إضافة إلى «التعبئة الشاملة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن من أجل تقديم المساعدة للمواطنين ﻓﻲ المناطق المتضررة»، وفق بيان للديوان.
في سياق متصل، أكد مدير "الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسام الشرقاوي، أنّ المساعدات التي قد يحتاج إليها المغرب بعد الزلزال «ستكون هائلة. والأمر لن يستغرق أسبوعاً أو أسبوعين. إننا نتوقّع أشهراً، بل سنوات من الاستجابة».
ووقعت، أمس، هزّة ارتدادية بقوّة 4.5 درجات على مقياس ريختر على بعد 77 كيلومتراً جنوبيّ غربيّ مراكش، وفقاً لمركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي. وحذّر جابور، الخبير الجيولوجي، من أن الهزّات الارتدادية قد تستمر لبضعة أسابيع أو أشهر قبل توقّفها نهائياً.