طرابلس | يمضي الوقت ثقيلاً على الليبيين منذ حصول «نكبة دانيال»، الأحد الماضي، حيث ضرب إعصار عنيف الشرق الليبي، وتحديداً مدينة درنة المنكوبة. «الكارثة»، كما وصفها رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، فضحت، على نحو غير مسبوق، فشل المنظومة القائمة في البلاد منذ عام 2011، وهي وفق تعبير المنفي «أكبر من قدرة ليبيا». على أن محاولات رفع المسؤولية وتحديد المتسبّبين عن هذه الكارثة، ليست الأولوية اليوم لدى الليبيين الذين يكافحون الظروف الصعبة للاطمئنان إلى أحبة لهم بين المفقودين لربما تتدخل القدرة الإلهية لإنقاذهم، أو للوصول إلى جثامين هؤلاء الذين قتلهم الإهمال وفاقمت الظروف الطبيعية من معاناتهم.ويوماً بعد آخر، يتكشّف أن المأساة ستكون كبيرة على المستوى الإنساني، حيث لا تزال أعداد الوفيات في تزايد في كل ساعة، بينما تتضارب الأرقام حولها. وفيما قالت الحكومة المعيّنة من البرلمان إن العدد فاق 5300 قتيل، أعلنت البعثة الليبية الدائمة لدى الأمم المتحدة، أن عدد الوفيات في درنة بلغ أكثر من 7 آلاف حتى الآن. وأفاد رئيس بلدية درنة، عبد المنعم الغيثي، بدوره، في تصريحات صحافية، بأن عدد القتلى في المدينة «قد يزيد على 20 ألفاً»، لافتاً إلى أن ما حصل «مفاجئ لمدينة درنة. لم نستطع مواجهته بإمكاناتنا التي كانت تسبق العاصفة والسيل الجارف». ومن جهتها، قالت المتحدّثة باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن «أعداد الضحايا المعلنة في ليبيا أولية، وإن المنظمة الدولية تواصل تقييم الكارثة».
في غضون ذلك، تتواصل عمليات البحث عن مفقودين، و«ينصبّ تركيز كل الجهات العاملة على إخراج الجثامين»، بحسب ما قال وزير الصحة في الحكومة المكلّفة من البرلمان، عثمان عبد الجليل. وأعلن وكيل وزارة الصحة في «حكومة الوحدة الوطنية»، سعد الدين عبد الوكيل، من جانبه، أن فرق الإنقاذ المحلية والدولية «تمكّنت من إنقاذ 510 أشخاص من تحت الأنقاض»، مشيراً إلى أن «عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث لا تزال مستمرة وتحتاج إلى بعض الوقت نظراً إلى وجود آلاف المفقودين». وإذ لفت إلى أن الفرق الطبية «تواجه صعوبات كبيرة في العمل»، نظراً إلى «ضعف الاتصالات أو الأوضاع الإنسانية المأساوية»، فقد بيّن أن «هناك العديد من المناطق، بينها سوسة والمخيلي والوردية (شرق)، التي تحتاج إلى تدخل عاجل»، ولذا «سيكون التركيز عليها في الساعات القادمة».
ومع غياب أيّ خطة لضبط الأوضاع على الأرض، أخلى «الجيش الوطني» بقيادة خليفة حفتر، مدينة درنة من جميع سكانها والصحافيين لتسهيل عمليات البحث والإنقاذ، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة المكلّفة من البرلمان. وقال المتحدث باسم الوزارة، طارق الخراز، في تصريحات إلى وكالة «الأناضول» التركية، إن «هناك ازدحاماً على أبواب مدينة درنة بسبب كثرة المساعدات، والعمل جارٍ لتسهيل مرور قوافل المساعدات إلى المدينة». وفي الإطار نفسه، أكّدت «مصلحة الموانئ والنقل البحري» الليبية «جاهزية ميناء درنة لاستقبال سفن الإغاثة».
ومع هول الصور الواردة من الشرق الليبي، يتزايد الحديث عن أن ما حصل كان يمكن تفادي جانب منه على الأقلّ لو وُجدت مؤسسات مسؤولة في البلاد. وفي السياق، أعلنت «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية» التابعة للأمم المتحدة أنه «كان من الممكن تفادي سقوط معظم الضحايا». وأوضح الأمين العام للمنظمة، بيتيري تالاس، أنه «كان بالإمكان إصدار إنذارات» من أجل «إجلاء السكان، وتفادي معظم الخسائر البشرية». وما يعزّز من غضب الليبيين تجاه تقصير السلطات القائمة، ما تمّ كشفه من تحذيرات سابقة لمراكز متخصّصة من أن «درنة معرّضة لخطر السيول المتكررة، عبر الوديان الجافة»، ودعوات إلى «اتخاذ خطوات فورية لضمان الصيانة المنتظمة للسدود في المنطقة». إلا أن هذه التحذيرات لم تجِد صدىً لدى الأطراف الليبية التي انشغلت بخلافاتها السياسية.
وفيما سارع المسؤولون الليبيون إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى معرفة المسؤولين عن التقصير الحاصل في مشاريع سدود درنة، بدا أكيداً أن إجراءاتهم لن تجدي نفعاً. وفي السياق، أعلن المنفي أنه «طلب من النائب العام فتح تحقيق شامل في وقائع الفيضانات»، وطالب بـ«محاسبة كل من أخطأ أو أهمل»، لافتاً إلى أن «التحقيقات ستشمل كل من عطّل جهود الإغاثة الدولية، أو عرقل وصولها إلى المدن المنكوبة». وبالمثل، خاطب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، النائب العام بـ«فتح تحقيق عاجل في ملابسات الواقعة، مشيراً إلى أن «الأولوية الآن هي الاهتمام بأهالي الضحايا في مدينة درنة وغيرها من المناطق المنكوبة». واعتبر الدبيبة أن «الإهمال الحاصل في السدود»، سببه «الأوضاع السياسية والأمنية على مدار السنوات الماضية»، كاشفاً أن «عقود صيانة السدود لم تُستكمل». من جهته، وصف رئيس البرلمان، عقيلة صالح، ما حصل في مدينة درنة بـ«الفاجعة الكبرى»، داعياً «الحكومة إلى مزيد من العمل في مواجهة الكارثة، وإعادة الوضع إلى طبيعته في مدة لا تتجاوز 6 أشهر».