الرباط | كشف الزلزال الذي ضرب خصوصاً منطقة إقليم الحوز (ضواحي مدينة مراكش) في المغرب، عن معاناة مسكوت عنها في المناطق الجبلية، التي تعيش عزلةً يسبّبها غياب البنى التحتية، من طرق ومستشفيات ومدارس وغيرها، وهو ما حال دون تقديم المساعدات العاجلة للمتضرّرين من الزلزال، حيث صعّبت التضاريس الجبلية من المهمّة، واضطرّت الحكومة إلى الاستعانة بمروحيّات الجيش في عدد من المناطق التي لا توجد فيها طرق معبّدة، أو تلك المنقطعة بسبب انهيار الأحجار. كذلك، ساهم غياب المستشفيات في تفاقم حالة المصابين، إذ تطلّب نقْلهم قطْع مسافة طويلة إلى المستشفيات المجهّزة في مدينة ورزازات (جنوب شرق)، والمستشفى الجهوي في مراكش، ما أدّى إلى تفاقم الوضع الصحي للمصاب، أو إلى وفاته، علماً أن الجيش المغربي أقام مستشفيات ميدانية بالقرب من مناطق الزلزال، لتخفيف الضغط عن المستشفيات المركزية.على أن ما كشفه الزلزال من تردٍّ للخدمات في ضواحي مراكش، لم يكن أمراً مستغرباً، إذ لطالما عانى سكان مناطق أعالي جبال الأطلس (ضواحي مراكش) من التقلّبات الجوية، وانقطاع الطرق لأسابيع، بسبب كثرة المتساقطات. وقد سبق "الائتلاف المدني من أجل الجبل" أن دعا، في بيان نشر على موقع "هسبريس المغربي"، الحكومة، إلى "سنّ قانون خاص بالمناطق الجبلية يكون بمثابة إطار تشريعي مرجعي شامل ومتكامل يضع حدّاً لواقع التشتّت الذي يطبع النصوص القانونية والسياسات العامّة على هذا المستوى". وطالب الائتلاف المدني بـ"استعجالية (الإسراع) في سنّ سياسة خاصّة وقوانين لتدبير المخاطر والكوارث والإغاثة في المناطق الجبلية، سواء في الاستباق أو المعالجة، وإيجاد حلول مناسبة لتوفير دعم مناسب لمصادر التدفئة وتوفير دعم حقيقي للأعلاف"، إذ يعتمد أغلب سكان هذه المناطق في معاشهم على تربية المواشي.
ولفكّ العزلة عن هذه المناطق، دعا الخبير الاقتصادي، رشيد ساري، إلى "تقوية نسيج التعاونيات (المجتمع المدني)، انطلاقاً من كون منطقة الحوز تعتمد على مجموعة من القطاعات المعيشية"، مشيراً، في تصريح إلى "الأخبار"، إلى أن "النموذج التنموي الجديد (أطلقه المغرب عام 2021) تحدّث عمّا يسمّى بحياة الرفاهية، وهو الأمر الذي يجب توفيره لجميع المواطنين، وعدم اقتصارها على مناطق دون غيرها، كما أن ما يسمّى بالمغرب غير النافع يجب أن يصبح نافعاً". وأوضح ساري أنه لإعادة إعمار هذه المناطق "يجب القيام بمجموعة من الإجراءات، أولها عدم الاقتصار على المناطق التي شهدت هزّات أرضية، حيث إن المغرب يحتوي ما مجموعه 28 ألف قرية، وبالتالي يجب إعادة إعمار هذه القرى مع خلْق مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي تحترم خصوصية كل منطقة". وأضاف إن "التكلفة الكبيرة لا تتمثّل في الإعمار أو توفير الأنشطة الاقتصادية أو تمويلها، لكن التحدّي يتمثّل في صعوبة التضاريس والمسالك الطرقية لهذه المناطق"، معتبراً أن "المنطقة تتميّز بطبيعة خلابة يجب استغلالها في السياحة الجبلية".
وكان الملك المغربي، محمد السادس، قد طالب، في اجتماع ضمّ إلى حكومته شخصيات عسكرية، الخميس الماضي، بـ"إطلاق برنامج مدروس، مندمج، وطموح من أجل إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررّة بشكل عام، سواء على مستوى تعزيز البنى التحتية، أو الرفع من جودة الخدمات العامة". وأشار محمد السادس إلى أن هذا "البرنامج، ذا الأبعاد المتعدّدة، سيعبّئ أساساً الوسائل المالية الخاصّة للدولة والمؤسّسات العامة، وسيكون أيضاً مفتوحاً للمساهمات الواردة من الفاعلين الخواص والجمعويين (المجتمع المدني)، وكذا الدول الشقيقة والصديقة".
ومع مضيّ الوقت، تبيّن حجم الدمار الذي حلّ بالبلاد جرّاء الزلزال، حيث كشف بلاغ للديوان الملكي، أن "حوالي 50 ألف مسكن انهارت كليّاً أو جزئيّاً بسبب الزلزال". وفي هذا الإطار، قال رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إن "حوالي 500 مدرسة تضرّرت، بالإضافة إلى تضرُّر المستشفيات الحكومية والطرق التي تسارع السلطات الزمن لتعبيدها". ومن المقرّر تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيّاً، بحسب بلاغ الديوان الملكي. ويحتاج إعمار هذه المناطق إلى وقت زمني حدّده رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، النعم ميارة، بين خمس سنوات وستٍ، لكي "يتمّ إصلاح ما أفسده أعنف زلزال عرفه المغرب منذ قرن".
وعن إعادة إعمار المناطق المتضرّرة، أوضح رشيد ساري أنه "يجب تحديد الأولويات والتركيز على مجموعة من الإجراءات، أولها ضمان العيش الكريم للمتضرّرين وتوفير المأوى، مع الاعتناء بالفئات المصابة وخاصّة ذوي الاحتياجات الخاصة منهم، من خلال توفير أجور شهرية لهذه الفئة". وأضاف ساري إن إعمار هذه المناطق يتطلّب نحو 50 مليار درهم (حوالي 500 مليون دولار)، مشيراً إلى أن "المدّة التي يجب أن يُنجز فيها هذا المشروع، يجب ألّا تتعدّى الخمس سنوات على أبعد تقدير.
من جهته، دعا الباحث في الاستراتيجيات والبنيوية، عبد الجبار الوزيني، في تصريح إلى "الأخبار"، "السلطات والجهات المختصّة، إلى السباق مع الزمن من أجل إعادة الحياة إلى المنطقة، وتعبيد الطرق"، مشيراً إلى أن "تلك المناطق الجبلية تعرف بالبنية الطرقية المتهالكة، كما يجب العمل بشكل سريع على بناء المدارس والمستشفيات، لضمان تعليم وصحة جيّدة لأبناء المنطقة، الذين أصبحوا يعيشون أوضاعاً صعبة".
كشف بلاغ للديوان الملكي، أن حوالي 50 ألف مسكن انهارت كليّاً أو جزئيّاً بسبب الزلزال


بدوره، قال الخبير الاقتصادي، محمد الجدري، إن "المغاربة، أفراداً وجماعات ومؤسّسات خاصّة ومؤسّسات حكومية ومغتربين، مطالبون بالتبرّع للصندوق الذي خصّصته الحكومة لدعم ضحايا الزلزال، من أجل إعادة إعمار وترميم المساكن والطرق والمستوصفات، بالإضافة إلى تزويدهم بشبكة المياه والكهرباء والاتصالات". وأضاف الجدري، في حديث إلى "الأخبار"، إنه يجب "دعم سكان منطقة الحوز اقتصادياً واجتماعياً لتجاوز المحنة، من خلال توفير قطيع من الماشية، الذي يُعدّ النشاط الأبرز الذي يمارسه سكان المنطقة، بالإضافة إلى توفير مجموعة من الأنشطة الاقتصادية لبناء المنطقة وتوفير لقمة العيش، والتكفّل بالأيتام والأشخاص ذوي الأوضاع الصعبة اجتماعيّاً".
وطالب الخبراء الاقتصاديون الحكومة المغربية بالتحرّك بسرعة من "أجل وضْع حلول عمليّة في القريب العاجل، وذلك من خلال إنشاء منازل مؤقتة للمتضرّرين، مع اقتراب فصل الشتاء وما تَعرفه هذه المناطق الجبلية من كثافة تساقط الثلوج والأمطار، وانخفاض درجات الحرارة". كذلك، دعا الخبراء، الحكومة إلى "وضْع استراتيجية على المدى الطويل، يكون عنوانها الأبرز التنمية المستدامة لهذه المناطق التي تعيش عزلة تامّة تعاني فيها الويلات في غياب تام لأبسط وسائل العيش الكريم، ومورد اقتصادي لأبناء المنطقة الذين يضطرّون للنزوح إلى المدن بحثاً عن لقمة العيش".