الرباط | لم تقتصر تداعيات زلزال المغرب على الجوانب الإنسانية فقط، بل امتدّت لتصل إلى النواحي السياسية الديبلوماسية، وخصوصاً بتعميقه الأزمة بين المغرب وفرنسا، بعد رفض الأول مساعدات الثانية، الأمر الذي أثار استياء باريس، ليخرج الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مخاطباً المغاربة في مقطع فيديو، يستعطفهم فيه، ويؤكد استعداده «لتقديم يد المساعدة للمتضررين من الزلزال»، قائلاً إن «المساعدات الفرنسية تحت خدمة ملك المغرب وحكومته». وفيما عرضت عدة دول، بالفعل، تقديم المساعدة، إلا أن السلطات المغربية استجابت فقط لعروض الدعم التي قدّمتها الدول التي تعتبرها «صديقة»، وهي: الإمارات وقطر وإسبانيا وبريطانيا، فيما شمل الرفض، إلى جانب فرنسا، الجزائر ودولاً أخرى. وأثار خطاب ماكرون الكثير من الجدل في المغرب؛ إذ اعتبر العديد من المحللين السياسيين أنه زاد الطين بلة، ومن شأنه تعميق الأزمة بين البلدَين لأنه يتنافى والأعراف الديبلوماسية، كوْنه لا يحق لرئيس دولة أن يخاطب مباشرة شعب دولة أخرى. وفي السياق نفسه، رأى بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن ماكرون، في خطابه المباشر إلى المغاربة، يكرّس النظرة الاستعمارية الفرنسية (المغرب استعمر من فرنسا قبل أن ينال استقلاله سنة 1956). أما فرنسياً، فاستندت وسائل الإعلام إلى الرفض المغربي، في شنّها حملة مضادة، قالت فيها إن السلطات المغربية رفضت «اليد الممدودة» إليها.
إزاء ذلك، يرى الخبير في العلاقات الدولية، محمد شقير، في حديث إلى «الأخبار»، أن «استبعاد فرنسا والجزائر من المشاركة في جهود الإغاثة، سببه عدم رغبة المغرب في أن توظف سلطات هذين البلدين المساعدة لغاياتهما، وتحديداً للالتفاف على المعايير التي وضعها المغرب في التعامل مع شركائه وعلى رأسها الخروج من المنطقة الرمادية في موقفهم من الصحراء المغربية». وفي الاتجاه نفسه، يرى المختصّ في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، أنه «لا يحقّ لفرنسا ولا لغيرها أن تحاسب المغرب على قرار سيادي لا يمسّها في شيء، فهي اقترحت المشاركة في مجهود الإنقاذ والمساعدة لضحايا الزلزال، والمغرب قدّر أنه ليس في حاجة إلى ذلك الدعم». ويشير نور الدين، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «فرنسا ليست المعنية الوحيدة بالقرار المغربي، بل هناك عشرات من الدول العربية والأميركية والآسيوية التي شكرها المغرب، ولم يرخّص لها بالتدخل، وهذا أمر تنظيمي يخضع لتقدير السلطات المغربية واللجنة المكلفة بتنسيق عمليات الإنقاذ، ويجب على كل الدول أن تتقبّل القرار من دون حساسيات».
على أن التوتر بين المغرب وفرنسا ليس وليد اللحظة، بل مضى وقت عليه، على رغم بعض الخطوات الفرنسية التي تسعى من خلالها باريس إلى كسب ودّ الرباط، وطيّ ملف الأزمة، وعلى رأسها الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية، كاثرين كولونا، للمغرب. وإذ أعقب زيارة كولونا إعلانها برمجة زيارة للرئيس الفرنسي إلى الرباط بدعوة من الملك محمد السادس، نفى المغرب الإعلان بشكل قاطع، موضحاً أن «زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للمغرب ليست مدرجة في جدول الأعمال ولا مبرمجة». وطفا الخلاف المغربي - الفرنسي على السطح، بعدما وجّه المغرب أصابع الاتهام إلى فرنسا بتحريض الاتحاد الأوروبي على إصدار تقريره حول انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب (حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة)، إضافة إلى خفض عدد التأشيرات الفرنسية التي تُمنح للمغاربة.
يُجمع المحلّلون على أن سبب الأزمة المباشر بين باريس والرباط هو ملف الصحراء المغربية


وعلى الرغم ممّا سبّبه ذلك من ردود فعل مغربية رسمية، يُجمع المحللون على أن سبب الأزمة المباشر، هو ملف الصحراء المغربية، إذ اختارت فرنسا عدم الإفصاح عن موقفها بعد اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء عام 2020، مراعاةً لمصالحها مع الجزائر، وتقاربها مع سلطاتها بشكل كبير، وتبادل الزيارات بشكل لافت بين مسؤولي هذين البلدين، وذلك على عكس إسبانيا التي اختارت دعم موقف المغرب، ما أسهم في تعزيز التعاون التجاري والعسكري والأمني بين مدريد والرباط. وعلى هذه الخلفية، لم يعيّن المغرب سفيراً جديداً في فرنسا منذ شهور عدة.
وفي هذا الإطار، يعتقد الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، أن «ملف الصحراء على رأس القضايا التي يجب على فرنسا أن تقوم فيها بالمراجعات السياسية، والاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه الغربية، وخاصة أن فرنسا كانت شريكة لإسبانيا في جريمة تقسيم أراضي المملكة واقتطاعها، سواء في الصحراء الشرقية والغربية (شمال المغرب كان مستعمرة إسبانية، وفرنسا استعمرت جنوبه)». ويرى نور الدين أن «ظروف اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، مؤاتية، في ظل مطالبة العديد من الشخصيات السياسية الفرنسية من اليمين واليسار الرئيس الفرنسي بذلك»، داعياً باريس إلى الكشف عن «أرشيفها الذي يفضح كل المؤامرات الأوروبية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي أدت إلى تقسيم المغرب، وإلى اقتطاع أجزاء كبيرة من أراضيه التاريخية».
والجدير ذكره، هنا، أنه منذ تولي ماكرون رئاسة فرنسا، تدهورت العلاقات بين باريس والعديد من العواصم الأفريقية، التي وصل الأمر ببعضها إلى حدّ قطع العلاقات الديبلوماسية مع المستعمر السابق دفاعاً عن مصالحها العليا. وفي ما يتعلق بالمغرب، يرى الخبير السياسي والاستراتيجي، هشام معتضد، أن «ماكرون عصف بتاريخ العلاقات الاستراتيجية بين الرباط وباريس بشكل غير مسبوق في تاريخ العلاقات»، مضيفاً، في حديثه «الأخبار»، إن «طيش ماكرون السياسي وجرأته المراهقة، أدخلا علاقات فرنسا السياسية مع أفريقيا، وخاصة ديبلوماسية باريس مع الرباط، في نفق مظلم وعتمة سياسية هي الأولى في تاريخ فرنسا المعاصر». وبحسب معتضد، فإن «المغرب لا يختزل فرنسا في ماكرون، ويكنّ احتراماً كبيراً للشعب الفرنسي وتاريخ فرنسا وللعلاقات التاريخية والتقليدية بين البلدين، لذلك فهو يحاول ألّا ينجرّ إلى أسلوب ماكرون السطحي في تناوله لحلحلة الأزمة السياسية بينه وبين المغرب، وذلك بالاعتماد على التضليل الإعلامي». وعن مستقبل العلاقات بين البلدين، يرى الخبير في العلاقات الدولية، حسن بلوان، أن «الأزمة ستأخذ طريقها إلى الحل، فقط عبر تراجع ماكرون عن سياساته تجاه المملكة المغربية، أو انتظار ما ستحمله الانتخابات المقبلة، أي التعامل مع حاكم فرنسي جديد، يقدّر حجم العلاقات التقليدية بين المغرب وفرنسا».