طرابلس | في الوقت الذي تزداد فيه احتمالية إفلات المسؤولين من المحاسبة إثر كارثة انهيار سدَّي مدينة درنة التي ضربها الإعصار «دانيال»، مرّر مجلس النواب الليبي تعديلات قانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لتبدأ نظرياً مرحلة الـ240 يوماً التي تسبق إجراء الانتخابات، فيما تبقى عقبة تشكيل الحكومة ماثلة. وبموجب التعديلات الجديدة التي أقرّها البرلمان وتتطلّب الاعتماد من «المجلس الأعلى للدولة» لتدخل حيّز التنفيذ الفعلي، سيحقّ للعسكريين الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، وهو البند الذي كان عارضه رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في محاولة لمنع قائد «الجيش الوطني»، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من الترشح. وسمحت التعديلات أيضاً لجميع المسؤولين بخوض السباق وهم في مناصبهم، مع استقالات تُعَدّ لاغية في حال فشلهم في الفوز، ما يفتح باب الترشّح أمام رئيس مجلس النواب نفسه، ويتيح له العودة إلى منصبه لدى خسارته السباق. وهو عين ما ينطبق على رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة، في ما يمثّل محاولة لتجنّب تعارض المصالح، وحلحلة جزء من التعقيدات السياسية. ومن بين أبرز البنود في القانون الانتخابي الذي أنجزته لجنة «6+6» وأقرّه البرلمان الليبي، ما ينصّ على إجراء انتخابات مجلس الأمة ورئيس الدولة في غضون 240 يوماً من تاريخ صدور القوانين، وعلى أن تُجرى الرئاسيات في جولتين، يتأهّل من خلال أولاهما المرشحان اللذان يحصلان على أعلى نسبة من الأصوات إلى ثانيهما، بصرف النظر عن نسبة الأصوات التي حصل عليها كلّ منهما. إلا أن البنود نفسها تربط ما بين إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة مؤقتة تكون مَهمّتها التمهيد للاستحقاق فحسب، وهو أمر قد يستغرق شهوراً، بالنظر إلى ضرورة موافقة مجلس النواب على أي حكومة جديدة يفترض أن تخلف حكومة الدبيبة القائمة في طرابلس والتي انتهت فترة ولايتها، والحكومة الحاصلة على ثقة البرلمان.
هكذا، يبدو أن انقسام أجهزة الدولة الليبية في الوقت الحالي بات هو المشكلة الكبرى أمام التوجه نحو الانتخابات، في وقت لم تعلّق فيه مفوّضية الانتخابات على القوانين التي أُقرت برلمانياً وتضمّنت الاستجابة لغالبية الملاحظات التي أبدتها الأخيرة عليها في وقت سابق. وفي الواقع، فإن خطوة مجلس النواب يحاول من خلالها صالح تجنب الصدام مع المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، الذي أبدى غضبه من عرقلة المجلس التوجه نحو الانتخابات عدة مرات، بينما ستكون هناك لقاءات عدة في الأيام المقبلة لبحث مسألة الحكومة واقتراحات التعامل مع الموقف، بما فيها إمكانية تنحّي الدبيبة مؤقتاً لخوض الرئاسيات على غرار ما كان سيحدث عندما حُددت الانتخابات عام 2020.
في هذا الوقت، بات إفلات المسؤولين عن كارثة انهيار سدَّي درنة، والتي تسبّبت بمحو نحو نصف المدينة خلال الإعصار الأخير، من العقاب، شبه مؤكّد، بعد تصريحات النائب العام الليبي، الصديق الصور، أمس، عن أن التحقيقات ستستغرق وقتاً طويلاً، وهي التصريحات التي جاءت بعد تحريك دعوى جنائية ضد 16 مسؤولاً سابقاً، واستصدار قرارات بحبس مسؤولين سابقين وحاليين في إدارة الموارد المائية والسدود. ويعتقد أن لدى غالبية المسؤولين القدرة على الإفلات من المحاسبة، بمن فيهم الموقوفون احتياطياً على ذمّة التحقيقات، وذلك نتيجة الانقسام السياسي في البلاد وعدم تلقّي التعليمات والمتابعة مع جهة واحدة، بالإضافة إلى تأخر صرف المستحقات المالية على خلفية الانقسام نفسه. ووفق مصادر «الأخبار»، فإن بعض المتهمين تحدّثوا عن فقدان أوراق مهمة للغاية تثبت صحة موقفهم بعد تدمير مبانٍ حكومية عدة، وخاصة في قطاع الموارد المائية والري، وهي أوراق جزء منها ليس موجوداً في أي مكان آخر أو جرت عملية حفظه آلياً عبر شبكة داخلية، وهو ما قد يعزّز موقفهم في وقت يسعى فيه محاموهم لإخلاء سبيلهم في أقرب فرصة.
في كلّ الأحوال، لم يكُن إقرار مجلس النواب الليبي القوانين الخاصة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوى انفكاك لأول عقدة في سلسلة العقد التي يجب التعامل معها وحلّها قبيل إجراء الانتخابات، والتي يفترض بموجب الـ240 يوماً المحددة في التعديلات القانونية، أن تُجرى خلال الصيف المقبل.