تونس | تتواتر الأنباء من سجن المرناقية في تونس، حيث يقبع المعتقلون السياسيون الستة منذ ما يناهز السنة في قضية «التآمر على أمن الدولة»، عن سوء الوضع الصحي لبعض هؤلاء الذين دخلوا في إضراب عن الطعام، منذ أسبوع، من دون أن يلقوا إلى الآن استجابة من الرئيس قيس سعيد لمطالبهم. والمعتقلون في القضية المذكورة التي لم يبتّ فيها القضاء بعد، ولا تزال التحقيقات فيها متعثرة وبطيئة، هم قادة ومؤسسون لأحزاب وحركات سياسية مختلفة التوجهات تجمعها مناهضة الرئيس، وهم: جوهر بن مبارك (عضو جبهة الخلاص الوطني)، عصام الشابي (أمين عام الحزب الجمهوري)، عبد الحميد الجلاصي (قيادي سابق في حركة النهضة)، غازي الشوّاشي (وزير سابق)، خيام التركي (قيادي سابق في حزب التكتل)، ورضا بلحاج (رئيس الديوان الرئاسي السابق).وبعدما أعلنت «تنسيقية عائلات المعتقلين»، الإثنين الماضي، أن تعليق الإضراب لن يتمّ «إلا في حال إطلاق سراحهم ووقف الملاحقات القضائية والأمنية للنشطاء السياسيين»، تراجعت الحالة الصحية للمعتقلَين عبد الحميد الجلاصي وغازي الشواشي، ما اضطرّ الأخير إلى تعليق إضرابه، وفقاً لـ«التنسيقية» التي أوضحت أن طبيبة السجن أقنعت الشواشي «بضرورة تعليق الإضراب بشكل فوري لإمكانية تعرضه لمضاعفات خطيرة». وسبق للمعتقلين في هذه القضية أن خاضوا تحركات احتجاجية مماثلة داخل السجن، مدعومة بتحركات أحزابهم في الخارج، ولكنهم لم يلقوا أي آذان صاغية لدى السلطة.
ويجزم محامو «هيئة الدفاع» أن ملف القضية يخلو من أي أدلة منطقية تؤكد التهمة المنسوبة إلى الموقوفين، مؤكدين أن الملف بُني على «وشاية وأقاويل وتحريات أمنية أولية كان من المفترض أن تتواصل التحقيقات فيها، من دون سلب المتهمين حريتهم، إلى حين توافر أدلة قاطعة أو التأكد من ضعف الإدانة وإسقاط الملف». ولذلك، تؤكد «هيئة الدفاع»، باستمرار، أن قرار إيقاف المتهمين كان قراراً سياسياً نظراً إلى مواقفهم السابقة المناهضة للإجراءات المتخذة منذ 25 تموز 2021، حين شدّد الرئيس سعيد قبضته على جميع السلطات، وحلّ البرلمان.
ومن جهتها، أعربت «تنسيقية القوى الديموقراطية والتقدمية»، التي تضم أحزاب «التيار الديموقراطي» و«العمال» و«التكتل» و«القطب»، شأنها شأن الحزب «الجمهوري»، «مساندتها التامة واللامشروطة للمعتقلين السياسيين»، محمّلةً ما سمّتها «منظومة الانقلاب»، «عواقب سياسة التشفي بالمضربين عن الطعام». والجدير ذكره، هنا، أن هذه الأحزاب لم تنسّق مع حركة «النهضة» لإصدار موقف مشترك، إذ تعتبر أن الأخيرة شريك أساسي في ما آلت إليه الأمور عبر استغلالها العشرية الماضية في بناء ديموقراطية صورية وهشّة، أتاحت لسعيد الانقلاب عليها من داخلها، باستثمار حالة الغضب الشعبي والنقمة على الفساد والمحسوبية.
أما «النهضة»، فلا تزال، ورغم شبح حلّ الحزب الذي يتهددها، تبحث عن وسيلة للعودة من جديد إلى الحكم، وإن كان ذلك عبر مشاركة سعيد في الانتخابات الرئاسية. إذ تتفق مع «جبهة الخلاص الوطني» المتحالفة معها، على إمكانية المشاركة في الموعد الانتخابي المقبل وتقديم مرشح ينافس سعيد، خلافاً لغالبية قوى الطيف السياسي التي أعلنت مسبقاً مقاطعتها الرئاسيات، لغياب ضمانات النزاهة والشفافية. وكانت «النهضة» قد طالبت، في بيان الأسبوع الماضي، الرئيس، بتوفير تلك الضمانات، حتى يتمكّن التونسيون من الإدلاء بأصواتهم في أجواء ديموقراطية. على أن احتمال السماح لـ«النهضة» بالمشاركة في الاستحقاق يبدو ضعيفاً، خاصة بعد أن صدرت أحكام قضائية تدينها بتلقي أموال أجنبية للتأثير في نتائج الانتخابات.
ومع ذلك، تؤكد مصادر متقاطعة أن الوساطات الإقليمية الهادفة إلى تهدئة الوضع السياسي قبيل الرئاسيات، عبر سلسلة خطوات من بينها الإفراج عن قيادات «النهضة»، لا تزال جارية، في ظل إغراءات لسعيد بتسهيلات في الاقتراض تسمح بتحقيق انتعاشة اقتصادية مرحلية. على أنه لا يُعلم مدى قدرة هذه الوساطات على تحقيق أهدافها، بالنظر إلى أن السلطة الحالية بنت شعبيتها وتستمد شرعية وجودها من معاداة «النهضة».
أما بالنسبة إلى بقية القوى السياسية، فلا يعني إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، أي خريف هذا العام، شيئاً، بالنظر إلى أنه لا منافسين جديّين، فيما ثمة ملاحقات قضائية لكل المرشحين المحتملين. وعليه، يبدو أن حرص الرئيس على الموعد الانتخابي يأتي لطمأنة الفاعلين الإقليميين، إلى أنه لن يواصل ترؤّس البلاد من دون انتخابات، الأمر الذي يوفّر له غطاءً شرعياً لمواصلة حكمه، حتى وإن كانت نسبة المشاركة المتوقعة ضعيفة، على غرار الاستحقاقات السابقة، من استفتاءات واستشارات وانتخابات محلية.
مع ذلك، يواصل سعيّد خوض حملته الانتخابية قبل أوانها، مكثفاً زياراته للأحياء الشعبية والمؤسسات الحكومية، حيث يدأب على إطلاق وعود بخماسية من الإنجازات، بعد ثلاث عجاف، وعشرية قوّضت دعائم اقتصاد البلاد. على أن هذه الوعود تبدو صعبة التحقق، بالنظر إلى غياب أي مؤشرات إلى إمكانية تحقيق انتعاشة - ولو طفيفة - على المدى البعيد، لأسباب معقدة، ليس مستبعداً من بينها وجود منظومة عميقة تعتبر حكم سعيد فسحة صغيرة لتنفيس الغضب الشعبي، قبل أن تعيد ترتيب أوراقها للمرحلة المقبلة.