على الرغم من «الحرب الباردة» التي انتهجتها السلطة ضدّ «الاتحاد»، فهي لم تستطع حجب الرأي العام عن ترقب تحرّكاته
في المقابل، عامل سعيد، «الاتحاد» بانتهازية، من خلال استشارته إياه، ومن ثمّ تجاهله رأيه، ولاحقاً اتهامه النقابيين في خطاباته بالفساد والمحسوبية. وما إن ركّز الرئيس دعائم حكمه، حتى أضحت عداوته لـ«الاتحاد» واضحة، فيما سعى جاهداً إلى تقزيم دور الأخير، بالنظر إلى أنه لم يكن ليقبل وجود طرف قادر على استمالة الجماهير وتوجيهها نحو الشارع غيره، كما لم يكن ليقبل بأن يبقى لـ«الاتحاد» الدور الوطني الذي تبوّأه منذ الاستقلال، وهو تعديل الحياة السياسية. ومع فشل سعيد في خلق هياكل موازية للمنظمة النقابية الأعرق والأكبر في البلاد منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فقد نجح في إزعاجها عبر تعميق الخلافات بين قياداتها، فضلاً عن إغلاق باب الحوار الاجتماعي. وفي هذا الجانب، وصف الأمين العام المساعد لـ«اتحاد الشغل»، سامي الطاهري، امتناع الحكومة عن تنفيذ الاتفاقات وغلق باب التفاوض، بـ«محاولة خنق» الاتحاد، معتبراً أن «محاولات السلطة خلق هياكل نقابية أخرى أخفقت، ما جعلها تفكّر في خلق أزمات داخلية بين النقابات ومنتسبيها على أمل تفتيتها». ومن جهته، قال «الاتحاد»، في بيانه الداعي إلى التجمّع العمّالي، إنه سجّل هجمة غير مسبوقة على هياكله، عبر ملاحقات أمنية وقضائية لعدد من قياداته، واصفاً إيّاها بالمحاكمات الكيدية والظالمة في سياق التضييق على الحقّ النقابي. كما انتقد مواصلة العمل بالمرسوم الرقم 54 المتعلّق بجرائم الاتصال والمعلومات، والذي يضرب في الصميم حرية التعبير والنشر، ويعيد تونس إلى مرحلة تكميم الأفواه ومعاقبة من يتجرّأ على انتقاد السلطة والتشكيك في خياراتها.
وعلى الرغم من «الحرب الباردة» التي شنّتها السلطة ضدّ «الاتحاد»، فهي لم تستطع تيئيس الرأي العام من دور الأخير، خصوصاً في ظل تدهور الظروف المعيشية للتونسيين، والذي مسّ الشريحة الكبرى من منخرطيه. كذلك، يعي «الاتحاد» أن أوسع شريحة من منتسبيه، وهي الطبقة الوسطى، ضاقت ذرعاً بالاستنزاف الضريبي الذي يستهدفها، ولن تقبل بانزلاقها نحو الفقر. وبما أن حكومتَي الرئيس المتعاقبتَين لم تقدّما شيئاً على الصعيد الاجتماعي، بل قدّمتا لسنتَين متتاليتَين موازنة تثقل العبء الضريبي من دون زيادة في الأجور، كما حدّتا من نفقات التوظيف الحكومي، تكون كل الأسباب التي ربما تجعل الشارع يعود إلى حركته بعد سنتين من السكون، قد نضجت.