طرابلس | دخلت «جامعة الدول العربية»، بشكل مفاجئ، على مسار الأزمة الليبية التي تراوح مكانها، في خطوة تتساوق مع المسار المدعوم من المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، من أجل إنهاء الجمود في الملف الليبي، ودفع الفرقاء إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع. ونجح الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، في عقد اجتماع ثلاثي، الأحد الماضي، في القاهرة، جمع فيه كلاً من رئيس «المجلس الرئاسي» محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس «المجلس الأعلى للدولة» محمد تكالة، على الرغم من السجالات والخلافات المتكرّرة بين الأخيرين.ورغم اعتبار الاجتماع «إنجازاً» بحد ذاته، وفق تصريحات أبو الغيط، فضلاً عن تأكيد مسؤولي «الجامعة» أن النقاشات حملت «أجواء إيجابية»، إلا أن ما جرى الاتفاق عليه من بنود سبعة، لا يختلف كثيراً عن سابقاته مما لم يسفر عن أيّ حلحلة، في ظل وجود حكومتين، وغياب أفق لتشكيل حكومة تكون مسؤولة عن المسار الانتخابي. إذ اقتصر أهم ما جاء في اتفاق رؤساء المجالس الثلاثة على تشكيل لجنة فنية خلال فترة زمنية محددة للنظر في التعديلات المناسبة لتوسيع قاعدة التوافق على ما انتهت إليه لجنة «6+6» بخصوص قوانين الانتخابات، وحسم النقاط الخلافية حسب التشريعات النافذة، و«تشكيل حكومة موحدة مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية وتقديم الخدمات الضرورية للمواطن»، علماً أن الاجتماع تجاهل دعوة رئيس «حكومة الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة (حكومة طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة)، على اعتبار أنه لا يمكن دعوة الأخير واستبعاد أسامة حماد، رئيس الحكومة المعترف بها من البرلمان.
وعلى هذه الخلفية، تبرز تصورات عدة للتعامل مع الدبيبة الذي يعتبر نفسه جزءاً من أي عملية سياسية في المستقبل القريب، من بينها دمج حكومته والحكومة المعترف بها برلمانياً، تحت رئاسته، على أن تتولى الإشراف على الانتخابات، من دون أن يقدم رئيسها أوراق ترشحه. وبالفعل، تزامن لقاء القاهرة مع اجتماعات أخرى للمبعوث الأممي بوفود من مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة»، لمناقشة مقترحات تشكيل حكومة كهذه، في ما يعكس ضغطاً واضحاً من باتيلي على الدبيبة. كذلك، بدأت اتصالات مع أطراف عدة، لدعم المسار المذكور، وخاصة مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الرافض للاعتراف بشرعية حكومة الدبيبة. إلا أن تلك التصورات تبقى محلّ شكوك في إمكانية إحداثها اختراقاً، إذ يرى الدبيبة فيها استبعاداً له من مستقبل ليبيا السياسي، فيما يرى فرصة جيدة للفوز بالرئاسة، وهو ما يجعل دائرة التفاوض تتّسع لتشمل مقترحات أخرى تسمح لجميع الراغبين في خوض الانتخابات الرئاسية بالتنافس، على أن يكون الحكم للشعب من الصناديق.
لذا، يرهن مراقبون مدى نجاح التحرك بالمناقشات التي ستجرى في الأيام المقبلة، والتي يراها مسؤولو «الجامعة العربية»، من جهتهم، بمثابة فرصة لاختبار جدية رئيسَي مجلس النواب و«الأعلى للدولة»، في التخلي عن مصالحهما الشخصية والعمل على التوجه نحو إنهاء الأزمة السياسية، على الرغم من فقدان الأطراف ثقتها بعضها ببعض، ورغبة كل منها في إقصاء الآخر من طريقه، لخوض سباق الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بالتزامن مع تلك البرلمانية. وفي انتظار عقد جولة ثانية من اجتماعات القاهرة، بات الرهان الآن على مدى قدرة كل مسؤول على إقناع مؤيديه بالتنازلات التي ستقدَّم للمضيّ قدماً لإتمام الاتفاق وإدخاله حيّز التنفيذ.