تونس | لا تكاد تمر بضعة أشهر على تونس، من دون أن يعيّن الرئيس قيس سعيد أعضاء جدداً في الحكومة أو يقيل آخرين منها. وعلى جري العادة، لا مبررات لقرارات سعيد، ولا شفافية تجاه الرأي العام الذي لم تعُد له أيّ معرفة بكواليس الحكم، باستثناء ما يجود به «محلّلو» البرامج السياسية في القنوات التلفزيونية، المقرّبون من قصر قرطاج والقائمون بمَهمّة البروباغندا لمصلحته. وفي هذه المرة، أقال الرئيس، الثلاثاء، وزير النقل ربيع المجيدي، ووزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي، بعدما أقال ثلاثة وزراء آخرين مطلع العام الجاري. وجاءت خطوة إقالة المجيدي، بعد زيارة أجراها سعيّد لبعض مرافق النقل الحكومية، حيث وقف وسط الحشود، منتقداً سوء الخدمات وتلكؤ المسؤولين في تنفيذ الإصلاحات في قطاع النقل، ومتحدثاً عن لوبيات فساد وتربّح من المال العام حرمت الملايين من التونسيين من الانتفاع بخدمات هذا القطاع، «حتّى أصبحت سرطاناً يعربد في جسم الدولة، وفي جسم المجتمع»، على حد تعبيره. وبحسب مراقبين، كانت خطوة سعيد متوقعة، بعد الفيديوات التي نشرتها له صفحة الرئاسة، والتي بدا فيها شديد الحنق إزاء درجة الخراب التي عاينها خلال زيارته لأحد مستودعات العربات التابعة للوزارة، وكأنه يكتشف لأول مرة ما آل إليه حال "النقل"، علماً أن الأخير من بين أكثر القطاعات التي تحوم حولها شبهات فساد، وطاولته فضائح تتعلق بصفقات مع مزوّدين دوليين مخالفة للمعايير المطلوبة. أما إقالة وزيرة الثقافة، التي عيّنت في حكومة أحمد الحشاني في شهر آب الماضي، فجاءت، وفقاً للمراقبين، لكثرة هفواتها وتأجيجها الصراع بين منظومة الرئيس سعيد والمثقفين، بدل أن تقوم بمهمتها في استمالتهم وتوسيع دائرة المساندة في أوساطهم لمصلحة الأول، وخصوصاً قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري.
يبذل الرئيس ما في وسعه لامتصاص غضب الطبقات الشعبية في ظلّ ما تشهده البلاد من غلاء


والظاهر أن الصمت الذي يحيط بإجراءات تعيين وطرد سعيّد للوزراء، بعيداً من أيّ شفافية ومن دون محاسبة أو نقاش عام حول أدائهم، مردّه إلى إخفاقات الرئيس المتكررة في اختيار طاقم وزاري يكافح الفساد ويعزز الشفافية، خلافاً للوعود التي لطالما أطلقها. لا بل إن سعيد لم ينجح في جعل هؤلاء يديرون القطاعات التي يشرفون عليها، بأقل الأخطاء الممكنة، بعدما حوّلهم إلى «نكرات» تعمل تحت ظلّه. وفي كل مرة، يباغت الرئيس، الشارع، بأسماء لمناصب حكومية، من دون تبرير اختيارها في أوج الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد، ثم يكتفي القصر الرئاسي بإعلان مقتضب للإبلاغ عن عزل هذا الوزير أو ذاك، بالطريقة نفسها أيضاً. والجدير ذكره، أن جميع هؤلاء شخصيات غير معروفة ولا تاريخ سياسياً لها، علماً أن الرئيس منذ تاريخ إعلانه للتدابير الاستثنائية، في 25 تموز 2021، واستحواذه بموجبها على جميع السلطات، يعتمد على حكومة «التكنوقراط»، أي مجموعة من الإداريين والباحثين الذين لم يسبق لهم ممارسة السياسة، بل يتعاملون مع الوزارة على أساس التسيير التقني ليس أكثر.
ونظراً إلى فشل حكومة نجلاء بودن، التي تسلّمت السلطة عقب إقرار التدابير الاستثنائية، لتعوض حكومة هشام المشيشي الذي نصّبه التحالف الحكومي بين حركة «النهضة» وحزب «قلب تونس»، بيّنت تلك التجربة بوضوح أن هذا النوع من الحكومات، رغم إمكانية تصريفه الأعمال بشكل يحفظ استقرار المؤسسات، لا يستجيب لمتطلبات المرحلة، ولا سيما أن الحكومة، آنذاك، كانت في مفاوضات ماراثونية مع «صندوق النقد الدولي» والجهات المانحة، تقتضي التشاور حولها مع القوى السياسية والمجتمعية قبل إقرار أي التزامات في شأنها.
وعلى أي حال، يرى مراقبون أن نظام سعيد بحاجة إلى هذا النوع من الأحداث، الذي يشغل الرأي العام لفترة من الزمن، كلما قرر تقديم أكباش فداء من الوزراء لتنفيس غضب التونسيين المتصاعد تجاه الأداء الحكومي. والجدير ذكره، هنا، أن موسم شهر رمضان من أكثر المناسبات التي سبق أن شهدت في سنوات سابقة احتجاجات اجتماعية ليلية نتيجة تصاعد شعور الإحباط والغضب، جراء انهيار القدرة الشرائية للتونسيين. أما هذه السنة فيبذل الرئيس ما في وسعه، يقوم بزيارات للأحياء، ويتحدث مع الطبقات الشعبية بشكل مباشر لامتصاص غضبها، في ظل ما تشهده البلاد من غلاء وندرة في المواد التموينية.