المال مجدّداً: حلّ أم مصدر مشاكل؟
سليمان الشّيخ
يكاد موضوع كتاب أكرم زيدان، يكون من المواضيع القليلة أو النادرة التي يجري التطرّق إليها في حياتنا المعرفيّة العربيّة، تماماً كموضوع الكتاب السابق لزيدان الذي صدر عام 2005، من ضمن السّلسلة نفسها، تحت عنوان «سيكولوجيّة المقامر، التّشخيص والتّنبّؤ والعلاج». ن أبرز ما سجّله في هذا المجال، قول الكاتب الروسي الشّهير ديستويفسكي «أقسم إنني لست طامعاً في المال، على الرّغم من حاجتي إليه، ولكنّها اللعبة في حدّ ذاتها» واستمرار ممارستها والانشغال بها. قسّم المؤلّف كتابه الجديد إلى ثلاثة أبواب، هي: 1ــ النّظريّات النفسيّة للمال. 2ــ هوس الثّراء وأمراض المال. 3ــ المال وسيكولوجيّة الحياة اليوميّة. يحتوي كلّ باب على فصول عدّة تناولت تفاصيل تتعلّق بأمور نظريّة نفسيّة، تفسّر دلالات المال في حياتنا؛ إيجاباً وسلباً، وخصوصاً الأمراض الناتجة عنه ومنه.
منذ البداية، يؤكّد المؤلّف أنّ المال مهمّ في حياة الأفراد والجماعات، لكنّه ليس غاية في حدّ ذاته، وإلّا فسيتحوّل إلى حالة مرضيّة قد تصل إلى الاكتناز والادّخار القهريين! وهو وسيلة من ضمن وسائل شتّى كي تصبح الحياة في سويّة معقولة، تنشد السّعادة ويحاول الإنسان السعي إليها أو محاولة تحقيقها. فالإنسان قد يكون في إمكانه شراء الدّواء بالمال، لكنّه لا يستطيع شراء الصّحة أو السّعادة، لأنّ كلتيهما في حاجة إلى شروط أخرى مع المال لتحقيق الوصول إليهما. هكذا، إذا ما كان للمال دوره ووظيفته في الحياة، وترتيب السلوك التنظيمي، وله حافزه ودوره في الحثّ على العمل والسّعي نحو الأفضل. مع ذلك فإنّ للمال سلبياته وحتّى أمراضه؛ النفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة... وتظهر السلبيات على الصّعيد الفردي في البخل والميل إلى الاستدانة والرّشوة والنصب والاحتيال والتّهرّب من دفع الضّرائب، وفي الإسراف والصّرف والتّبذير القهري، كذلك ربّما في الادّخار القهري مجاراة أو تقليداً أو حاجة...
من علماء التّحليل النّفسي الّذين التفتوا باكراً إلى سيكولوجيّة المال واجتهدوا في السّلوكيّات والرّموز المرافقة أو المتأتّية عن المال، كان العالم سيغموند فرويد، الذي عاد إلى مرحلة الطّفولة التي تبنى على ديناميّات ما يحدث فيها الكثير من السّمات والصّفات والتّصرّفات اللاحقة، وما يمكن أن يكون في الشّخصيّة من شواذ أو سويّات إيجابيّة.
ويمكن تدعيم ذلك أو ردعه من خلال البيئة الاجتماعيّة وما يسود فيها من علاقات وقوانين وروادع أو تسهيلات دينيّة وأخلاقيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة، كما أنّ التّجربة الشّخصيّة والمراحل والمحكّات التي تمرّ فيها توفّر حصيلة مهمّة في كيفيّة التّعامل مع المال.
بعض الدّراسات النّفسّية أوضحت أنّ (بعض) النّاس في علاقاتهم بالمال ليسوا عقلانيين كفاية، سواء كان ذلك في سلوك الإنفاق أو الادّخار أو الضّرائب والاقتراض والدّيون. وهذا الأمر يمكن أن يؤدّي إلى كوارث إذا ما تمّ تعميمه، وخصوصاً إذا ما كانت المصاريف تزيد على المداخيل. ويسود اعتقاد بأنّ المال حلّ وليس مشكلة، وأنّ بعض الفقراء هو من يعاني مشاكل قلّة المال والأمراض المرافقة، فيما يعاني بعض الأغنياء كثرته. ومن أطرف ما ذكره المؤلّف عن حياة الخدمات التّبادليّة واقتسام المكافآت والتّعاون، أنّها موجودة وسائدة لدى الحيوانات والأسماك والطّيور أيضاً. وقد يكون الأمر ليس بين أفراد الجنس الواحد، بل بين أجناس مختلفة، وأنّها تساعد بعضها بعضاً للحصول على منافع مادّيّة مشتركة، تماماً كما هي الحال لدى الإنسان. وذكر عن قرود الشّمبانزي ما يلي: أنّها تقوم بالاصطياد في مجموعات، أو أنّ أحدها يقتنص الفريسة، ثمّ يمزّقها ويتقاسمها، ومع ذلك لا يحصل كلّ شامبانزي على قطعة، بل حتّى أعلى الذكور منزلة قد يستجدي الطّعام من دون جدوى، إذا لم يشارك في الصّيد.
ويوحي هذا بالتبادليّة، إذ يبدو أنّ القناصة تستمتع بأولويّتها خلال توزيع الغنائم.
وذكر الكاتب أيضاً أن بين الشامبانزي ما يعرف لدى الإنسان يمفهوم «احترام الملكيّة»، فحين يوزّع الأكل على الشامبانزيّات لا يحدث أن يعتدي واحد على آخر، كي يحصل على نصيبه من الطّعام بالقوّة.
* كاتب فلسطيني


العنوان الأصلي
سيكولوجية المال، هوس الثراء وأمراض الثروة

الكاتب
أكرم زيدان

الناشر
عالم المعرفة