يرى المحلّلون الفلسطينيون أن «عرين الأسود» باتت تملك من الشرعية ما يزعج السلطة الفلسطينية نفسها
إلّا أنه قبل الوصول إلى ذلك الخيار، يلجأ العدو إلى أدوات أخرى علّها تُعفيه من الاجتياح الشامل، الذي يبدو غير متأكّد من أنه لن يُلحق به خسائر كبيرة في صفوف جنوده، خصوصاً أن «المقاومين الجُدد» يتبنّون عقيدة الاستمرار في الاشتباك حتى الرصاصة الأخيرة. ومن بين تلك الأدوات، فرْض الحصار المشدّد على مدينة نابلس منذ عملية «شافي شومرون» في 11 تشرين الأول، بالحواجز العسكرية والسواتر الترابية، مع تكثيف تحليق الطائرات المسيّرة، والذي تقول إسرائيل إنه سيستمرّ حتى إشعار آخر، إلى جانب المراهنة على إمكانية أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً في احتواء المجموعة وتفكيكها. وفي هذا الإطار، كشفت الصحافة العبرية، أخيراً، أن إسرائيل قدّمت عرضاً، من خلال السلطة، لعناصر «عرين الأسود» من أجل تسليم أسلحتهم مقابل العفو عنهم والتوقّف عن ملاحقتهم، لكن هؤلاء رفضوا العرض الإسرائيلي، معتبرين أنه ينمّ عن جهل مطبِق لدى العدو بعقيدة المقاومة الشعبية، ومؤكدين أنهم سيواصلون التصدّي للاحتلال وإرباكه.
ويرى المحلّلون الفلسطينيون أن «عرين الأسود» باتت تملك من الشرعية والتأييد الشعبي، ما يزعج السلطة الفلسطينية نفسها. ولفت الكاتب زكريا محمد، في منشور على «فايسبوك»، إلى أن «المجموعة طلبت من الناس الخروج للتكبير في الشوارع ضدّ الحصار، فخرجت نابلس عن بِكرة أبيها للتكبير، وهذا هزيمة للسلطة ولسياستها»، مضيفاً: «أظنّ أن على الدعوة إلى التكبير الليلي أن تتكرّر في كلّ المدن والقرى والبلدات والمخيّمات في كلّ أنحاء فلسطين من أجل هزيمة حصار نابلس. لقد تَحوّل حصار المدينة إلى أبِ المعارك كلّها وأمّها، وعلينا أن نؤمّن انتصار نابلس في هذه المعركة». وختم كلامه بأن «العدو يريد أن يكسر المجموعات المقاوِمة عبر حصار السكّان المدنيين وتجويعهم، وضرْب حياتهم الاقتصادية، أي أنه يلجأ إلى سياسة العقوبات الجماعية الكريهة، وسلطة رام الله لا تفعل شيئاً لمواجهة خطوات العدو هذه، بل يبدو أنها تتواطأ معه من تحت الطاولة». وفي الاتجاه نفسه، قال الكاتب والمحلّل السياسي، هاني المصري: «لبّت نابلس عن بِكرة أبيها، والعديد من المواقع الأخرى في الضفة، نداء عرين الأسود للتكبير، رغم الوقت المتأخّر، ما يقدّم مثلاً حيّاً على أن القيادة تنمو في غمار المعارك، وما يدلّ على أن هناك فراغاً كبيراً تحاول أن تملأه الكتائب والعرين قبل أن يملأه الاحتلال وأعوانه».
على المقلب الإسرائيلي، يواصل الإعلام تسليط الضوء على «عرين الأسود» والتحريض عليها في الوقت نفسه. إذ نقلت «القناة 14» العبرية عن مصدر قالت إنه مقرّب من المجموعة، وكان أحد قيادات «كتائب شهداء الأقصى» في الانتفاضة الثانية، وتعاوَن مع «حزب الله» وأمضى سنوات في سجون الاحتلال، أن «العرين سحبت البساط من تحت أقدام السلطة الفلسطينية، وسحقت عقيدة الجنرال دايتون الذي أراد بناء أجهزة أمن فلسطينية لمحاربة الإرهاب». كما نقلت عنه أن «هذه الظاهرة الثورية ليست محلّية، عناصرها تمكّنوا من الإفلات من جهاز الشاباك الإسرائيلي، وهي تتلقّى الدعم وتعمل تحت إشراف قيادة حماس وحتى بتمويل خاص منها».