ينهي الجيش الإسرائيلي، خلال أيام، العملية البرية في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، لينسحب في أعقابها إلى منطقة الحزام الأمني الجديد على حدود القطاع، تماماً كما حصل قبل أسابيع في مدينة غزة ومحيطها شمالاً. فهل سيعني ذلك أن الخطوة التالية هي بدء العملية البرية في رفح؟ يبدو أنّ قرار العملية معلّق حتى الآن، ليس لأسباب ميدانية مرتبطة بكون الهجوم على رفح يستدعي تحضيرات مغايرة وأكثر تعقيداً ممّا جرى في بقية المناطق فقط، بل أيضاً ربطاً بكون الوضع فيها مرهوناً بمواقف الأطراف الآخرين في الحرب - سواء أكانوا شركاء (لإسرائيل) أم وسطاء -، والذين يرفضون في هذه المرحلة مهاجمة المدينة، ويفضّلون المسار التفاوضي لإنهاء القتال وإن تحت مسميات مختلفة، عبر صفقة تبادل أسرى محسّنة شكلاً ومضموناً (نسبياً في المضمون)، عن صيغة باريس الأولى، التي جرى التوصّل إليها بين قطر ومصر والولايات المتحدة وإسرائيل، في كانون الثاني الماضي.كذلك، وفقاً للتسريبات، تلقّى الجانب المصري نسخة معدلة من شروط حركة «حماس»، أكثر ليونة من الشروط الماضية، وهذا ما أتاح الاتفاق على لقاء اليوم الجمعة، في إطار ما يُعرف بـ«لقاء باريس 2». وتنعكس هذه الأنباء تفاؤلاً في دولة الاحتلال، لا يمنع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وكبار مسؤولي ائتلافه، من تظهير موقف متشدّد إزاء الحرب، والتشديد بصورة أو بأخرى على أنّ عملية رفح هي التي ستحدد نتيجتها، الأمر الذي يعني تأكيداً لـ«حتمية» تلك العملية. فهل هذا يعني وجود تجاذب في إسرائيل بين مسارَي التفاوض والقتال؟ الإجابة غير قاطعة، ولكن يمكن القول إن إسرائيل تواصل عملياتها العسكرية وكأن المفاوضات غير موجودة، وهي بذلك تستهدف تحقيق غرضين: تحصيل ما أمكن من «الإنجازات» في الميدان، وفي الوقت نفسه تعزيز ورقة المفاوض الإسرائيلي عبر الضغط الميداني نفسه، وأيضاً عبر التهديد بمزيد من العمليات إن لم تخفّض «حماس» سقف شروطها بخصوص اتفاق تبادل الأسرى.
وفقاً للتسريبات، تلقّى الجانب المصري نسخة معدّلة من شروط حركة «حماس»


كذلك، بات واضحاً أنّ إسرائيل تسعى إلى إغلاق ملف الأسرى، كي تعاود خطواتها الميدانية متخففة من ضغوط هذه الورقة التي تثقل على صاحب القرار الإسرائيلي، ولا تمنحه هامش مناورة واسعاً، سواء في القتال، أو على طاولة المفاوضات. لكن في المقابل، تدرك «حماس» أن هذه الورقة هي من العوامل الأكثر تأثيراً على القيادة الإسرائيلية وأدائها في الحرب، ما يعني أنها لن تسارع إلى التخلّي عنها ما لم يكن العائد موازياً لها ومعتدّاً به، وليس أقلّ من اتفاق على وقف القتال، أيّاً كانت التسمية التي سيجري اعتمادها لتلك التهدئة. لكن نتنياهو لا يزال متشدداً تجاه أي صيغة تشمل هدنة طويلة الأمد، أو وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار لأشهر طويلة، فيما يبدو أنه لم يتّخذ قراره فعلياً باجتياح رفح، بقدر ما يستخدم التلويح بالاجتياح لخدمة المفاوضات، ضمن معادلة: «صفقة مقبولة من تل أبيب، وإلّا».
لكن في حال تحقّق له ما أراد، أي اتفاق يسحب ورقة الأسرى من يد «حماس»، من دون وقف طويل لإطلاق نار، فهل هذا يعني أنه سيكتفي بما تحصّل عليه، ويمتنع عن أيّ قرار لاحق بمواصلة الحرب وسحبها برياً إلى رفح؟ يتعذّر تصوّر مثل هذا السيناريو، خاصة أنّ هامش المناورة الإسرائيلية بلا ورقة الأسرى سيكون أوسع، مع «شهية» مرتفعة جداً لليوم الذي يلي. وعليه، فالنتيجة ربما تكون واحدة، سواءً أتنازلت «حماس» عن سقفها العالي أم لم تتنازل، وهذا ما تدركه الحركة جيداً وتعمل على أساسه، وهو أيضاً ما يفسّر تصلّب موقفها القائل: لا أسرى من دون وقف الحرب.