وبعيداً من مسألة التفويض، ثمة تشكيك من الأصل في إمكانية «تحقيق نتائج مختلفة» عبر حملة الضربات الجوية، وفقاً لما ذهب إليه السيناتور كريس ميرفي، وخصوصاً أن هناك نقصاً في المعلومات العسكرية الأميركية عن «أنصار الله»، وفقاً لما أقرّ به مسؤولون أميركيون، زاعمين أن وكالات الاستخبارات الغربية لم تكن تولي الحركة اهتماماً كبيراً في السنوات الأخيرة. ويتحدث هؤلاء المسؤولون عن تراجع في الاستخبارات حول اليمن بعد انتهاء حملة الطائرات من دون طيار ضدّ «القاعدة» في جنوب البلاد، والتي نُفّذت في عهدَي الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب. ويقول المسؤول السابق في وزارة الدفاع وضابط وكالة الاستخبارات المركزية، مايك مولروي، إن «اليمن تراجع كأولوية، وكذلك فعل تركيزنا الاستخباراتي هناك». كما يعترف الأميركيون بأن الوضع على الأرض أصبح أكثر صعوبة، منذ أن أخلت الولايات المتحدة سفارتها في صنعاء عام 2015، أي منذ سيطرة «أنصار الله» على العاصمة، خشية وقوع مستنداتها بيد الحركة، وانكشاف دورها في الأزمات اليمنية.
الاستخبارات الأميركية والبريطانية لا تزال تعمل في اليمن، وتتّخذ مقراً لها في مطار الغيضة في محافظة المهرة
غير أن الوقائع على الأرض تثبت عدم صحة تلك الادعاءات الأميركية؛ إذ إن الولايات المتحدة، وباعتراف مسؤوليها، كانت المزوّد الرئيس للتحالف السعودي – الإماراتي، في عدوانه على اليمن، بالمعلومات الاستخباراتية والفنية وأحدث الصور الجوية. وفي بعض الحالات، زودت واشنطن، الرياض وأبو ظبي، بالصور نفسها المستخدمة من قبل «البنتاغون»، وفقاً لما تفيد به اعترافات موثقة لمسؤولي وزارة الدفاع الأميركية أمام اللجان المعنية بالدفاع والخارجية والأمن في الكونغرس. كما أن الاستخبارات الأميركية، بوكالاتها كافة، أبرمت عقود تعاون مع أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة لحكومة عدن، وهي عقود جرى التوصل إلى مثلها مع كل من السعودية والإمارات، وهذا ما أكده السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، منذ أيام.
ويُضاف إلى ما تقدّم، أن الاستخبارات الأميركية والبريطانية لا تزال تعمل في اليمن، وتتّخذ مقراً لها في مطار الغيضة في محافظة المهرة، شرق اليمن. وقد كشفت الأجهزة الأمنية في صنعاء عدداً من الخلايا التي اعترف أعضاؤها بالارتباط بأجهزة استخباراتية تعمل لمصلحة البلدين، ومن بينها تلك التي أعلن عنها جهاز الأمن والاستخبارات اليمني، في شباط 2021، والتي تم تأسيسها لاستقطاب عناصر من المحافظات الشمالية، ولا سيما صنعاء وصعدة. وبيّن الجهاز أن تركيز هذه الخلية كان على مواقع الدفاعات الجوية والطيران المسيّر والقوات العسكرية التابعة للجيش و«اللجان الشعبية»، مضيفاً أنه جرى تجنيد أفرادها على أيدي ضباط الاستخبارات الأميركية، قبل تحويلهم إلى العمل مع نظرائهم البريطانيين. وأفاد بأن الجواسيس اعترفوا بقيامهم بتقديم إحداثيات ومعلومات عن مواقع وأماكن أمنية وعسكرية ومنشآت مدنية وتجارية في مختلف المحافظات، مقابل راتب شهري قدره 300 دولار.
وعلى ضوء تلك المعطيات وغيرها، يمكن دحض ادعاءات واشنطن، واعتبار المعضلة الاستخباراتية الأميركية في اليمن، ناتجة من حالة الاستخفاف بالقدرات اليمنية، وقياسها على العهود السابقة التي كان البلد فيها مستباحاً لأجهزة الاستخبارات الإقليمية والعالمية، وأيضاً من العقلية الفوقية التي ترفض الاعتراف بواقع أن اليمن بات على طريق الاستقلال والسيادة، وبدأ يأخذ دوره الطبيعي في مناصرة القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.