تنكبّ دوائر القرار الأميركي على تقييم نتائج العمليات العسكرية في البحر الأحمر والضربات الجوية على اليمن، حيث يتحدّث بعضها عن عقم الخيار العسكري، فيما يعترف كبار المسؤولين بأن الصورة الاستخباراتية غير المكتملة تعيق تقييم وزارة الدفاع (البنتاغون) للقدرات اليمنية. وعلى خلفية انسداد الأفق هذا، يتحضر الكونغرس لتجديد الموعد النهائي التلقائي لإنهاء أعمال الحرب في اليمن، والمفترض في 12 آذار الجاري، بالعمل على مشروع قانون يمنح الإدارة السلطة القانونية لمواصلة الغارات الجوية ضد حركة «أنصار الله». وكانت إدارة بايدن قدّمت إخطاراً إلى الكونغرس ببعض من تلك الأعمال، إلا أنها لم تطلب تفويضاً، بزعم أنّ الرئيس لديه السلطة لتوجيه ضربات عسكرية ضد «الحوثيين»، الذين تشكل ضرباتهم في البحر الأحمر «تهديداً» للولايات المتحدة وشركائها. في المقابل، يشكّك عدد من أعضاء الكونغرس في قانونية الأعمال العدائية في اليمن؛ ومن هؤلاء السيناتور تيم كين (ديموقراطي - فرجينيا) الذي أعرب عن اعتقاده بأنه لا يوجد تفويض من الكونغرس بتلك الأعمال، مُعتبراً أن «من «المضحك أن تشنّ إدارة بايدن هجمات نيابة عن الدول الشريكة باسم الدفاع عن النفس». غير أن وزارة الدفاع الأميركية تعتبر أن ما تقوم به هناك هو من ضمن التفويض القانوني الممنوح لها في الشرق الأوسط، بحسب ما أعلن المسؤول في وزارة الدفاع، دانيال شابيرو، أمام إحدى لجان مجلس الشيوخ.من جهته، دافع قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، بتعذّر صياغة خطة أخرى غير المعتمدة حالياً. وقال لقناة «الجزيرة»، أمس، إنه «لا يوجد حل عسكري بحت لجميع التهديدات المعقّدة التي نواجهها في المنطقة. ومع اقتراب 12 آذار، فإن خيارات الإدارة لمواصلة عملياتها العسكرية بشكلٍ قانوني هي: أن يمنحها الكونغرس تفويضاً، أو أن يستغل الرئيس خياراً لديه بمواصلة الأعمال العدائية لمدة 30 يوماً إضافية».
وبعيداً من مسألة التفويض، ثمة تشكيك من الأصل في إمكانية «تحقيق نتائج مختلفة» عبر حملة الضربات الجوية، وفقاً لما ذهب إليه السيناتور كريس ميرفي، وخصوصاً أن هناك نقصاً في المعلومات العسكرية الأميركية عن «أنصار الله»، وفقاً لما أقرّ به مسؤولون أميركيون، زاعمين أن وكالات الاستخبارات الغربية لم تكن تولي الحركة اهتماماً كبيراً في السنوات الأخيرة. ويتحدث هؤلاء المسؤولون عن تراجع في الاستخبارات حول اليمن بعد انتهاء حملة الطائرات من دون طيار ضدّ «القاعدة» في جنوب البلاد، والتي نُفّذت في عهدَي الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب. ويقول المسؤول السابق في وزارة الدفاع وضابط وكالة الاستخبارات المركزية، مايك مولروي، إن «اليمن تراجع كأولوية، وكذلك فعل تركيزنا الاستخباراتي هناك». كما يعترف الأميركيون بأن الوضع على الأرض أصبح أكثر صعوبة، منذ أن أخلت الولايات المتحدة سفارتها في صنعاء عام 2015، أي منذ سيطرة «أنصار الله» على العاصمة، خشية وقوع مستنداتها بيد الحركة، وانكشاف دورها في الأزمات اليمنية.
الاستخبارات الأميركية والبريطانية لا تزال تعمل في اليمن، وتتّخذ مقراً لها في مطار الغيضة في محافظة المهرة


غير أن الوقائع على الأرض تثبت عدم صحة تلك الادعاءات الأميركية؛ إذ إن الولايات المتحدة، وباعتراف مسؤوليها، كانت المزوّد الرئيس للتحالف السعودي – الإماراتي، في عدوانه على اليمن، بالمعلومات الاستخباراتية والفنية وأحدث الصور الجوية. وفي بعض الحالات، زودت واشنطن، الرياض وأبو ظبي، بالصور نفسها المستخدمة من قبل «البنتاغون»، وفقاً لما تفيد به اعترافات موثقة لمسؤولي وزارة الدفاع الأميركية أمام اللجان المعنية بالدفاع والخارجية والأمن في الكونغرس. كما أن الاستخبارات الأميركية، بوكالاتها كافة، أبرمت عقود تعاون مع أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة لحكومة عدن، وهي عقود جرى التوصل إلى مثلها مع كل من السعودية والإمارات، وهذا ما أكده السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، منذ أيام.
ويُضاف إلى ما تقدّم، أن الاستخبارات الأميركية والبريطانية لا تزال تعمل في اليمن، وتتّخذ مقراً لها في مطار الغيضة في محافظة المهرة، شرق اليمن. وقد كشفت الأجهزة الأمنية في صنعاء عدداً من الخلايا التي اعترف أعضاؤها بالارتباط بأجهزة استخباراتية تعمل لمصلحة البلدين، ومن بينها تلك التي أعلن عنها جهاز الأمن والاستخبارات اليمني، في شباط 2021، والتي تم تأسيسها لاستقطاب عناصر من المحافظات الشمالية، ولا سيما صنعاء وصعدة. وبيّن الجهاز أن تركيز هذه الخلية كان على مواقع الدفاعات الجوية والطيران المسيّر والقوات العسكرية التابعة للجيش و«اللجان الشعبية»، مضيفاً أنه جرى تجنيد أفرادها على أيدي ضباط الاستخبارات الأميركية، قبل تحويلهم إلى العمل مع نظرائهم البريطانيين. وأفاد بأن الجواسيس اعترفوا بقيامهم بتقديم إحداثيات ومعلومات عن مواقع وأماكن أمنية وعسكرية ومنشآت مدنية وتجارية في مختلف المحافظات، مقابل راتب شهري قدره 300 دولار.
وعلى ضوء تلك المعطيات وغيرها، يمكن دحض ادعاءات واشنطن، واعتبار المعضلة الاستخباراتية الأميركية في اليمن، ناتجة من حالة الاستخفاف بالقدرات اليمنية، وقياسها على العهود السابقة التي كان البلد فيها مستباحاً لأجهزة الاستخبارات الإقليمية والعالمية، وأيضاً من العقلية الفوقية التي ترفض الاعتراف بواقع أن اليمن بات على طريق الاستقلال والسيادة، وبدأ يأخذ دوره الطبيعي في مناصرة القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.