غزة | تتناوب الأزمات التي تمرّ على أهالي شمال قطاع غزة؛ فبعد أن مرّت أيام المجاعة القاسية، جاءت أيام الصيف الحارقة، مصحوبة بأزمة مياه هي الأشد قسوة على الإطلاق. ففيما يزيد استهلاك المياه المخصّصة للنظافة، والتي لا مصدر متوفراً حالياً لها إلا الآبار الجوفية، بعدما قطعت سلطات الاحتلال خطوط شركة «مكروت» التي كانت تغذّي القطاع بنحو ثلث حاجاته اليومية من المياه، وأخرجت محطات تحلية مياه البحر عن الخدمة، تواصل إسرائيل منذ أشهر منع إدخال الوقود اللازم لتشغيل المولّدات المخصّصة لضخ المياه، إذ لم تصل إلى الشمال سوى كميات محدودة من السولار عبر مؤسسات أممية، فيما تحتاج المولّدات إلى تدفق مستمر ومنتظم للوقود.في مخيم جباليا، الذي يؤوي حالياً أكثر من 200 ألف نازح، لم تستطع اللجان المحلية منذ أكثر من أسبوعين، تشغيل بئر المياه المركزية، التي تغذّي نحو ثلثي المخيم. ويقول أبو أحمد، وهو القائم على تشغيل البئر، لـ«الأخبار»، إن «مولّد تشغيل البئر يستهلك نحو 40 ليتراً من السولار في الساعة، بتكلفة تزيد على 600 دولار، في ظل ارتفاع سعر السولار في السوق السوداء، ما يعني أننا بحاجة إلى أكثر من 2400 دولار في كل يوم لتشغيله لمدة أربع ساعات فقط. هذه تكلفة لا تستطيع اللجان المحلية والأهالي تحمّلها. لذلك، لم نستطع تشغيل البئر منذ أسبوعين، علماً أننا لا نستطيع ضخ المياه في الشبكات التقليدية، بل يأتي الأهالي بالدلاء والأواني وينقلون المياه بشكل يدوي إلى المنازل».
وفي منطقة السكة شرق المخيم، يبدو الحال أسوأ. هناك، يضطر الأهالي الذين اختاروا العودة إلى منازلهم المدمّرة، بعد استصلاح ولو غرفة واحدة فيها، لقطع مسافة تزيد على الكيلومترين سيراً على الأقدام، لتعبئة غالون واحد من المياه. ويقول محمد أبو هادي، لـ«الأخبار»، إن «أكثر من 500 أسرة تعيش في هذا المربع، لا تصل إليها قطرة مياه واحدة. بعض المؤسسات الخيرية والمبادرات الشبابية، تأتي بالمياه إلى الحي بشكل غير منتظم، لكن ذلك لا يعفي من مسلسل الشقاء اليومي. نقطع مسافات طويلة على الأقدام، ونحن نحمل الدلاء على ظهورنا، فقط لنوفر لعائلاتنا مياه الوضوء والنظافة. أما عن المياه الصالحة للشرب، فالمأساة أكبر بكثير».
آخر مظاهر العطش يلخّصه مشهد وقوف آلاف المواطنين أمام محطة فلترة المياه الوحيدة في جباليا، والتي تعطّلت، أمس، فيما وصلت درجة الحرارة إلى 40 مئوية، بما يفوق معدلها السنوي في هذا التوقيت بعشر درجات. ويوضح أبو محمود، وهو أحد عمال المحطة، لـ«الأخبار»، «أننا لا نمتلك أي معدّات بديلة. تعطّل المولّد الخاص بضخ المياه في عز حاجتنا إليه. تزيد حاجة الناس إلى المياه في الأيام الحارة، وقد لا يحصل أحد على المياه الصالحة للشرب لأيام». وكان رئيس بلدية بيت لاهيا، علاء العطار، دقّ ناقوس الخطر، مطالباً المؤسسات الدولية والأمم المتحدة بالتدخّل لتشغيل آبار المياه الجوفية وتأمين المياه النقية، إلى جانب آليات تسليك المجاري وسيارات النظافة المتوقفة عن العمل منذ أشهر.