رغم «سطوع نجمه» في استطلاعات الرأي منذ بداية الحرب عقب انضمامه إلى «حكومة الطوارئ»، وتَمَكُن حزبه من سحب أصوات اليمين من «الليكود»، باعتباره بديلاً من الأخير، ومن رئيسه، بنيامين نتنياهو، لا يبدو الوزير بني غانتس إلا نسخة منمّقة من «بيبي». فوفقاً للجنرال المتقاعد، ومفوّض شكاوى الجيش السابق، يتسحاق بريك، فإن رغبة غانتس في أن يصبح رئيساً للوزراء، تحرّكها «المصالح الضيّقة وليس مصالح الدولة»، فضلاً عن أنه هو الظهر الحامي لرئيس الأركان، هرتسي هليفي، والذي يوفّر الغطاء لكل قرارات الأخير، ومن ضمنها تلك التي تتضمن «مقامرة بحياة مواطني إسرائيل».والواقع أن دعم غانتس لرئيس الأركان قائمٌ، وفقاً لبريك، «على قرارات وأفعال لا قيمية ولا أخلاقية، تتعارض مع روح الجيش الإسرائيلي»، لأنها تنتهك «القيم» التي نشأت عليها أجيال من المقاتلين والقادة. كما أن تعيينات هليفي الأخيرة لجنرالات وضباط «على شاكلته» وآخرين مقربين منه ومن غانتس، «ستخلق جيلاً جديداً من كبار القادة، يكون مديناً لهما أكثر مما يدين لقادة الجيش». وما يجدر التذكير به هنا، أن غانتس، وخلال مدة توليه منصب وزير الأمن، كانت جميع تعييناته تشترط أن يكون المُعيّن قادماً من إحدى وحدتَي المظليين أو «سييرت همتكال» النخبويتين، وهو عيّن كلاً من هرتسي هليفي رئيساً للأركان، والعقيد أوري غوردين (من المظليين) قائداً للقيادة الشمالية، والعقيد إليعيزر توليدانو (من المظليين) قائداً للقيادة الجنوبية، والعقيد يهودا فوكس (الذي بدأ سيرته العسكرية في الكتيبة 890 في لواء المظليين) قائداً للقيادة الوسطى... و«هذه مجرد قائمة جزئية»، من تعيينات تمت «عشوائياً وتحت الرادار» وفقاً لمراقب الدولة سابقاً، ميخا ليندينشتراوس. أمّا الهدف من تلك التعيينات، فكان الحفاظ على «الزمرة» التي تدير الجيش وتدرب ضباطه ليكونوا رؤساء الأركان القادمين.
وبحسب بريك، فإن «العلاقات كانت هي العنصر الحاسم في ذلك؛ فالصديق يجلب الصديق»، ولكن في اختبار النجاح، «فشلوا فشلاً ذريعاً. والنتيجة المخزية تبدت في هجوم حماس على غلاف غزة. وكان هذا مجرد واحدة من علامات كثيرة في سياق استعداد الجيش لحرب إقليمية شاملة. فخلال مدة وجودهم، استمر الجيش في التدهور على منحدر زلق». وبناء على ما تقدّم، دعا بريك إلى محاكمة غانتس أمام لجنة التحقيق الرسمية التي ستتشكل في نهاية الحرب؛ «فمساهمته حاسمة في التدهور الشديد الذي أصاب الجيش عندما كان رئيساً للأركان ثم وزيراً للأمن: هو وزملاؤه رؤساء الأركان السابقون، وآخرهم هليفي، بلغوا بالجيش الإسرائيلي أسوأ فوضى وفشل منذ قيام الدولة، في هجوم حماس. علاوة على ذلك، أسهم غانتس وزملاؤه، بشكل كبير، في عدم الاستعداد الكامل للجيش والجبهة الداخلية لحرب إقليمية شاملة من شأنها أن تلحق كارثة بالبلاد ومواطنيها».
إسرائيل ستكون في حرب استنزاف لسنوات عدة، «ستقوّض مجتمعنا، واقتصادنا، وعلاقاتنا مع العالم»


ورأى الجنرال المتقاعد أن «غانتس استغل وجوده في الحكومة وكابينت الحرب، لتغطية هليفي، صديقه المقرّب الذي عيّنه بطرق ملتوية ولاأخلاقية خلال مدة الحكومة الانتقالية»، مذكّراً بأن «أفيف كوخافي، كرئيس للأركان، كان مستعداً لمواصلة ولايته لمدة ستة أشهر أخرى، حتى تختار الحكومة التي ستتشكل بعد الانتخابات رئيس الأركان كما هو متبع، لكن غانتس، بصفته وزير الأمن، لم يتنازل؛ إذ أقنع المستشارة القضائية للحكومة، غالي بيهارف- ميارا، بأنه إذا لم يُعيّن هليفي على الفور، فإن هناك خطراً حقيقياً على أمن الدولة»، فيما الأخيرة وثقت بكلام غانتس «لأن الأمن ليس في مجال اختصاصها». وبالتالي «أساء غانتس استغلال منصبه، فيما قضت المستشارة بتعيين هليفي خلفاً لكوخافي، خلافاً لما تنص عليه التعليمات والقوانين التي تتطلب الامتناع عن تعيينات جديدة خلال مدة حكومة انتقالية».
وبعد انضمامه إلى الحكومة ومجلس الحرب، راح غانتس يؤيد القرارات «غير المسؤولة» لهليفي في إدارة الصراع مع «حماس» و«حزب الله»، ومؤخراً مقابل الإيرانيين الذين دخلوا المعادلة من دون سابق إنذار. واعتبر بريك أن «قرارات هليفي قادت إسرائيل إلى خسارة الحرب وعدم تحقيق أي من أهدافها»، مضيفاً أنه وكما أن نتنياهو مسؤول عن دفع قضية الأسرى لتصبح ثانوية، فإن غانتس وبوجوده في المجلس «لا يختلف عن بيبي، وهو يدعمه في رؤيته الخيالية لتحقيق النصر المطلق واجتياح رفح ودفع قضية المختطفين إلى زاوية هامشية... بينما عناصر حماس يعودون حشوداً إلى المناطق التي انسحب منها الجيش، ومرحلة العمليات المُركزة باتت تخلّف خسائر في صفوفنا، ولا تتقدم بنا نحو النصر».
وما تقدم يعني، وفقاً لبريك، أن إسرائيل ستكون في حرب استنزاف لسنوات عدة، «ستقوّض مجتمعنا، واقتصادنا، وعلاقاتنا مع العالم، ولن نتمكن خلالها من تجهيز الجيش للحرب الشاملة والمتعددة الجبهات، والتي هي التهديد الوجودي على إسرائيل». ونبّه إلى أن كل ذلك سيتسبب «في كارثة بيننا وبين الولايات المتحدة، ودول صديقة في العالم، وأيضاً دول عربية تقيم معنا علاقات سلام، ويعرقل بناء التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، ولا سيما أن اجتياح رفح لن يتقدم بنا إلى أي مكان». أمّا السبب وراء تطرق غانتس، أخيراً، إلى لجنة التحقيق الرسمية التي ستقوم بعد الحرب، والتي قال إنها «لن تتعامل مع القضايا العملياتية، وإنما مع القضايا القومية والسياسية»، فهو «خوفه من أن يصلوا إليه أيضاً»، بصفته حلقة في سلسلة الفشل، وفقاً لبريك، الذي خلص إلى أن «غانتس بات شبيهاً لبيبي، ولا يقل عنه خطورة على أمن الدولة. والقول إن غانتس هو بديل من بيبي (كما يتعامل الإسرائيليون مع الأمر) هو شيء مضحك. يجب أن يكون هناك بديل جيد من كليهما».