رام الله | اقتحم مئات المستوطنين، المسجد الأقصى، على مدى أيام "عيد الفصح اليهودي" الذي ينتهي في الـ30 من الجاري، فيما جرت عملية الاقتحام الأكبر، في الـ25 من نيسان، حيث ناهز عدد المقتحمين الـ1600 مستوطن، علماً أن وزراء حاليين وسابقين ونواباً في "الكنيست" قادوا - بحماية من القوات الإسرائيلية - الاقتحامات التي تخلّلتها صلوات تلمودية في باحات الحرم، ولا سيما في منطقة مصلى باب الرحمة وباب القطانين. ومنذ بدء عيد الفصح اليهودي الذي يمتدّ لسبعة أيام، ويُعدّ أهمّ الأعياد التي تُستغل لانتهاك حرمة "الأقصى"، دعت "جماعات الهيكل" إلى جلب القرابين الحيوانية، استعداداً لذبحها في المسجد أو في محيطه، بينما حوّلت قوات الاحتلال، مدينة القدس إلى ثكنة عسكرية، مع نشرها أكثر من ثلاثة آلاف شرطي في المدينة، وعشرات الحواجز العسكرية داخل البلدة القديمة وعند أبواب "الأقصى"، وفرْضها قيوداً على دخول المصلّين وسط تجوّل عشرات المستوطنين. كذلك، كثّفت قوات الاحتلال فحص هويات الوافدين إلى المسجد الأقصى، وتوقيف وتفتيش طلبة المدارس في أحياء المدينة، كما استهدفت النشطاء والمرابطين عند أبواب الحرم، وضايقت المبعدين عن المسجد، والذين حاولوا الاقتراب من أبوابه. وكانت الجماعات الاستيطانية عملت، وتحديداً "جماعات الهيكل"، قبل حلول "الفصح"، على حشد أكبر عدد ممكن من المستوطنين لاقتحام "الأقصى"، علماً أنها تواظب على ربْط رمزية العيد اليهودي المتمثّلة في خروج بني إسرائيل من مصر هرباً من فرعون، بتقديم قرابين في المسجد، باعتبار أن الأخير أنشئ على أنقاض الهيكل، كما تزعم. وشهد هذا العام نشاطاً ملحوظاً من قِبَل تلك الجماعات، التي تصدّرت نشاطاتها جماعةٌ يرأسها المتطرّف رفائيل موريس، الذي ضُبط عشرات المرّات وهو يحاول إدخال الذبائح إلى داخل سور القدس أو المسجد الأقصى. وإذ تعتبر أن ذبح القرابين يُعدّ تتويجاً لطقوسها، ونجاحاً في تثبيت التأسيس المعنوي والمادي للهيكل المزعوم، فهي تشجع المستوطنين على القيام بذلك، عبر تخصيص منح مالية لكلّ مَن يحاول أو يتمكّن من ذبح قربان داخل الأقصى،
مثلما فعلت جماعة "عائدون إلى جبل الهيكل" التي عرضت مكافآت وصلت قيمتها هذا العام إلى 50 ألف شيكل (أكثر من 13 ألف دولار)، لِمَن يتمكّن من ذبح قربان في "الأقصى"، كما جعلت "عودة الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة" هدفاً للتضحية، لإعطاء الطقس طابعاً سياسياً ودينياً في آن واحد.
توجُّه عشرات الفتية من مستوطنات الضفة الغربية ومحيط المدينة المقدّسة رفقة جِديان وحِملان، نحو البلدة القديمة


وبينما وثّقت تلك الجماعات توجُّه عشرات الفتية من مستوطنات الضفة الغربية ومحيط المدينة المقدّسة رفقة جِديان وحِملان، نحو البلدة القديمة، أعلنت شرطة الاحتلال، أمس، اعتقال عشرات المستوطنين، الذين تراوح أعمارهم بين 13 و21 عاماً، لمحاولتهم ذبح القربان، وصادرت الحيوانات التي في حوزتهم، وفق بيان الشرطة الذي لفت إلى أن "هذا الأمر مخالف للقانون ويمسّ بالوضع القائم في الأماكن المقدّسة في المدينة". أيضاً، ظهرت والدة الجندي الإسرائيلي، إسرائيل سوكول، الذي قُتل في عملية المغازي في غزة بداية العام الجاري، في مقطع مصوّر على أحد حسابات "جماعات الهيكل"، وهي تدعو إلى ذبح القربان في "الأقصى" تخليداً لروح ابنها. وجاء في نص إحدى الدعوات: "نحن ندعو كل شعب إسرائيل إلى أخذ عنزٍ أو خروف يصل عمره إلى سنة واحدة، وإحضار القربان إلى جبل الهيكل على أمل أن نتمكّن من ذبحه بشكل صحيح هذا العام".
وكان حاخامات ومتطرّفون صعّدوا ضغوطهم للسماح لهم بأداء شعائرهم. وفي هذا الإطار، تقدّم 15 حاخاماً برسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، يطالبونهما فيها بالسماح لهم بذبح قربان عيد الفصح في المسجد الأقصى، لأن "المصلحة العليا"، بحسبهم، "تكمن في الذبح"، فيما يُعدّ "تقديم الذبيحة في جبل الهيكل، أهمّ وصايا التوراة". ومن جهته، جال رفائيل موريس، أحد أبرز الداعين إلى ذبح القرابين في "الأقصى" داخل البلدة القديمة، متردّداً على أبواب الحرم، وهو يحمل كيساً فيه ماعز صغير. وكتب موريس، في منشور على حسابه في "فايسبوك": "في هذه الأثناء، هناك نشطاء حاولوا بالفعل التضحية بالقربان وتم القبض عليهم ومعهم ثلاثة جديان، بالطبع سيتمّ تعويضهم مالياً عن تلك التجربة"، في إشارة إلى الجوائز المالية التي وعدت بها جماعته "عائدون إلى جبل الهيكل" من يحاول ذبح القربان ويفشل في ذلك.
في المقابل، حذّر "مجلس الأوقاف والشؤون والمقدّسات الإسلامية" في القدس، مع بدء "الفصح"، من "تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى في ظلّ الإهمال والعجز" عربياً وإسلامياً، مشيراً إلى إمعان سلطات الاحتلال في "تخطيط هذا السلوك القائم على فرض الوقائع من منطق القوّة". وأضاف أن اقتحامات المستوطنين لـ"الأقصى"، "تزامنت مع منع جموع المصلّين المسلمين من الدخول إلى مسجدهم الشريف، في ظلّ مشهد دامٍ لا يمكن فصله عن الصورة العامة وواقع الحال في عموم الأراضي المحتلة".