غزة | من يمشي في شوارع أحياء ومدن ومخيمات شمال وادي غزة، يدرك أن لا أعين الناس ولا طبعاً كاميرات العدد المحدود من الصحافيين الذين يتجشّمون مخاطر التجوال فيها، استطاعت أن تنقل ربع مشاهد الدمار والخراب اللذين حلّا بتلك المناطق، إذ يجري الحديث عن تدمير وتخريب ليس فقط لمنازل أو مربعات سكنية معينة، إنما عن مسح أحياء واسعة وممتدّة بأكملها عن وجه الأرض، بالإضافة إلى كل المدن السكنية الصغيرة التي تحوي عشرات الأبراج وآلاف الشقق السكنية، والتدمير الكلي للبنية التحتية. أحياء واسعة من مثل العامودي، والكرامة، والنصر، والشيخ رضوان، والمخابرات، والمقوسي، في شمال غرب القطاع، تعرّضت للتدمير الكلي بنسبة 80%، بفعل غارات الطيران الحربي، في حين تعرّضت النسبة المتبقّية لما بين التدمير الجزئي والحرائق التي حوّلت المباني إلى هياكل آيلة للسقوط. أما المدن السكنية ذات الطراز العمراني العمودي، من مثل مدينة الشيخ زايد، ومدينة العودة السكنية، ومدن الندى، وحي الأمير نايف، والمدينة المصرية، التي لم تنته شركات المقاولات المصرية من بنائها بعد، ومدينة عرفات، وأبراج الكرامة والمخابرات، فقد مُسحت عن وجه الأرض تماماً.وتتكرّر مشاهد شمال غرب القطاع ذاتها في الأحياء الشمالية الشرقية، في بيت حانون والسكة وشعشاعة وتل الزعتر، وفي أحياء شرق مدينة غزة، التفاح، والشجاعية، والدرج، والزيتون، وفي أحياء قلب المدينة، الشفاء، وتل الهوا، والرمال، والنصر. وبالنظر إلى ما تقدّم، فإن ما أعلنته الأمم المتحدة، عن أن عملية إزالة الركام في القطاع، قد تستغرق 14 عاماً، يبدو منطقياً. غير أن تلك المدة، تحيط بمدى انطباقها على الواقع مجموعة من العوامل، وفق ما يراه المهندس أحمد فتحي، الذي يوضح، في حديث إلى «الأخبار»، أن إزالة الركام ستكون «عملية شاقة وصعبة بلا شك، وأكبر من إمكانات شركات المقاولات المحلية التي دمّر الاحتلال 90% من معدّاتها، وتحتاج إلى شركات دولية بإمكانات كبيرة. وتقدير المدّة مرتبط بتحديد عدد الطواقم والشركات العاملة في تلك المهمة»، مضيفاً أنه «إذا وُزِّع الجهد على عشرات الشركات وعملت بشكل متزامن، ستتقلّص المدة إلى سنوات معدودة. في النهاية نحن نتحدّث عن سنوات وليس عن أشهر. هذه حقيقة، لأن أحياء القطاع مكتظّة بالسكان، وعملية إزالة الركام تتطلّب خطوة تمهيدية تتمثّل في إيجاد مأوى للعائلات التي يتعيّن أن تغادر الأحياء المدمّرة قبل أن تباشر الطواقم العمل».
غزة الآن غير صالحة للحياة، وإعادتها إلى ربع ما كانت عليه تتطلّب سنوات طويلة


أما على صعيد البنية التحتية، فإن ما حدث في الواقع، هو ما هدّد به جيش العدو منذ بداية الحرب، إذ أُعيد القطاع بالمعنى الحرفي للكلمة إلى العصر الحجري، فوفقاً لإحصائيات الشركات والبلديات المحلية، دمّر الاحتلال 40 ألف كيلومتر من شبكات المياه والصرف الصحي، وكل مقدّرات شركة توزيع الكهرباء، من مولّدات ومحوّلات وتمديدات. ذلك التدمير، أعاد الأهالي سبعة عقود إلى الوراء. وعن ذلك، يقول الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، لـ«الأخبار»، إن « البنية التحتية خصوصاً ليست مشروعاً يُبنى في سنة أو سنتين. ما دمره الاحتلال في هذه الحرب، هو حصاد 70 عاماً من المشاريع التنموية التي تشاركت فيها عشرات الدول والحكومات حول العالم. كل شارع في القطاع ممهور باسم حكومة مانحة. كل مبنى في مستشفى أو مشروع مياه أو محطة تحلية، هي نتاج مساهمات مشاريع استغرق بناؤها عشرات السنوات. وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، تتطلّب فعلاً عشرات السنوات، ومبالغ كبرى لن تقوى دولة إقليمية واحدة على التكفّل بها. غزة الآن غير صالحة للحياة، وإعادتها إلى ربع ما كانت عليه تتطلّب سنوات طويلة».