غزة | لم تشهد الخريطة الميدانية، خلال الأيام الثلاثة الماضية، أيّ تحرُّك برّي يُذكر، إذ إن ما يتحدّث عنه جيش العدو في وسائل الإعلام، لا مصداق له على الأرض، وذلك بعدما انسحبت القوات البرّية من كل مناطق قطاع غزة، خلا خاصرة موقع «نتساريم» التي تفصل شمال القطاع عن جنوبه، إلى جانب بعض التحشدات المحدودة جدّاً عند الأطراف الشرقية لمدينتي بيت حانون وبيت لاهيا شمالي غزة، ومخيم النصيرات في المنطقة الوسطى. ولم تقم تلك القوات، خلال اليومَين الماضيَين، سوى على إطلاق رميات مدفعية في ساعات محدّدة، فيما لم يتوقّف الطيران الحربي عن استهداف المنازل المأهولة والمقصوفة في كل مناطق قطاع غزة.في المقابل، بدا لافتاً أن المقاومة تواكب المجهود السياسي الذي من المقرَّر أن يتفاوض القائمون به على إبرام صفقة تبادل ووقف مؤقت لإطلاق النار، حيث أعلنت كلّ من «كتائب القسام» و»سرايا القدس» و»ألوية الناصر صلاح الدين»، مسؤوليتها عن العشرات من المهمّات القتالية، التي تركّزت في إطلاق رشقات صاروخية على المستوطنات المحيطة بالقطاع، إلى جانب شريط النقاط العسكرية المستحدثة في موقع نتساريم وسط قطاع غزة. وأعلنت «ألوية الناصر صلاح الدين» عن قصف خطّ إمداد جيش الاحتلال على مفترق شارع صلاح الدين في المنطقة الوسطى بعدد من الصواريخ. ومن جهتها، قالت «القسام» إن مقاوميها استخدموا الهاون الثقيل في دكّ مقرّ قيادة العدو في «نتساريم» بالعشرات من القذائف، ما أدى، وفق ما بدأ يتوارد من أنباء مساء أمس، إلى مقتل جنديّين وإصابة ثمانية آخرين من «الفرقة 99» التي تسلَّمت مهامها في المحور المذكور، أمس، بدلاً من لواء «ناحال». وأعلنت «سرايا القدس»، بدورها، أن مقاوميها قصفوا موقع فجة العسكري برشقة صاروخية. ووزّع الإعلام الحربي التابع لهذه الأخيرة مشاهد أَظهرت مقاوميها بمشاركة مجموعات «الشهيد عمر القاسم» التابعة لـ»الجبهة الديموقرطية»، وهم يقصفون مستوطنات غلاف غزة بالعشرات من الصواريخ.
تواكب المقاومة المجهود السياسي الذي من المقرَّر أن يتفاوض على إبرام صفقة تبادل ووقف مؤقت لإطلاق النار


ما تقدَّم من طبيعة الجهد الميداني، يتناسب مع معطيات الميدان الذي تنعدم فيه فرص الاحتكاك المباشر بين المقاومين والقوات البرية للعدو، بعدما أنهت الأخيرة كل عملياتها الواسعة في الحواضر الآمنة. لذا، تملك الرمايات الصاروخية التكتيكية وقذائف الهاون الفراغ، وتساهم في استدامة حالة المشاغلة والاستنزاف، ولا تعطي العدو انطباعاً أنه وبسحب قواته البرية من القطاع، بوسعه أن يخوض حرباً من طرف واحد، والأهم، أنها تبعث برسالة توضح فيها الحالة التي سيكون عليها محور «نتساريم» في قادم الأيام، إنْ فكّر العدو في إبقاء تمركزه فيه.
على خط موازٍ للعمل الميداني الذي يخدم مقتضيات التفاوض، نشر الإعلام العسكري لـ»كتائب القسام»، يوم أول من أمس، مقطعاً مصوّراً ظهر فيه عدد من الأسرى الإسرائيليين وهم يوجّهون رسالة يطالبون فيها حكومتهم بالعمل السريع والجادّ لإطلاق سراحهم، كما يطالبون عائلاتهم بمواصلة التظاهر والضغط على مجلس الحرب للقبول بصفقة تبادل تعيدهم إلى منازلهم قبل نفاد الوقت.
وفي محصّلة الأمر، تعيش المقاومة في الوقت الحالي وضعاً ميدانياً مريحاً، بعدما تراجع الضغط الميداني إلى حدوده الدنيا وانحصر في سياق التهديد باجتياح رفح، تلك الخطوة التي بات مجتمع الاحتلال يدرك أنها ليست العصا السحرية التي ستعيد الأسرى وتقضي على «حماس» وتحسم الحرب.