هل هي مناورة جديدة كالتي سبقها من قبل حكومة العدو وبالتواطؤ مع الإدارة الأميركية؟منذ مساء الجمعة الماضية، انطلقت ماكينة إعلامية واسعة، قادتها الولايات المتحدة الأميركية ومصر ووسائل إعلام إسرائيلية تقول بأن العدو قدّم تنازلات جدية تسمح بعقد صفقة جديدة مع المقاومة في غزة. وعصر الجمعة، تلقّت قيادة «حماس» الموجودة في تركيا اتصالات من مساعد وزير المخابرات المصرية اللواء أحمد عبد الخالق، مبلغاً رئيس وفد «حماس» المفاوض الدكتور خليل الحية، بأن هناك ورقة جديدة، وأن مفاوضات مكثّفة جرت في تل أبيب بين رئيس المخابرات المصرية عباس كامل ورؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وبمشاركة قيادة المخابرات الأميركية، وتم التوصل إلى اتفاق قال المصريون إنهم يرونه «جيداً ويلبي الكثير من مطالب حماس»، وطلب المسؤولون المصريون أن توفد «حماس» وفداً رفيعاً إلى القاهرة على وجه السرعة لأجل البتّ في الأمر.
قيادة «حماس» التي تسلّمت الورقة، عقدت لقاءات سريعة مع وفد قيادي من حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، على هامش اجتماع جمع الوفدين مع رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية. وتم الاتفاق على أن يجري درس المقترح الجديد، وأن يصار إلى وضع ملاحظات قبل صياغة الرد. وأبلغت قيادة «حماس» القاهرة، بأن المقترح قيد الدرس، وأن الدكتور الحية سوف يتوجه إلى القاهرة بعد يومين، على أن تكون الورقة قد أُرسلت في هذه الأثناء إلى قيادة غزة لأجل إبداء الرأي ووضع الملاحظات.
وفي الاتصالات التي جرت بعد تسلّم الورقة، تبيّن أن الجانب القطري لم يكن على علم بما يجري، وأن المصريين عمدوا بالتعاون مع الإسرائيليين إلى وضع التصور بالتشاور مع الجانب الأميركي، ما فرض على قيادة «حماس» الاتصال بالجانب القطري، وإبلاغه بأن الحية سيتوجه إلى قطر أولاً، بقصد الاجتماع مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن ثم يتوجه الإثنين إلى القاهرة، «على أمل أن تكون قيادة غزة قد بعثت بملاحظاتها»، بحسب ما قال مصدر معني بالاتصالات لـ«الأخبار». مع العلم، أن قيادة غزة تحتاج عادة إلى وقت غير سريع جداً لدرس المقترح من أبعاده كافة، خصوصاً أن ملف الأسرى موجود لدى «كتائب القسام» حصراً، ولدى بقية الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة. وهذه الأجنحة هي الجهة الصالحة للإجابة على المقترحات الخاصة بعمليات التبادل، إضافة إلى ما يتعلق بشكل انتشار جيش الاحتلال على الأرض.

مرونة في الشكل وتصلّب في الجوهر
بحسب ما تسرّب من الأفكار الجديدة، فإن المرونة ظهرت في أن المصريين والأميركيين قالوا إنهم انتزعوا من الجانب الإسرائيلي موافقة مبدئية على «البحث في وقف إطلاق نار دائم». وأضاف المصريون أن هذا «جديد نوعي لأنه لم يكن مطروحاً»، لكن الأفكار كما وصلت، لا تشير إلا إلى هدنة مؤقتة ضمن مراحل ثلاث، على أن يصار في المرحلة الثانية إلى «البحث في آليات لضمان هدنة مستدامة». لكن العرض بقي خالياً من أي إشارة واضحة وصريحة إلى إنهاء الحرب، وهو مطلب رئيسي للمقاومة. وقد أوضحت «حماس» لمتصلين بها، أن الضمانات الجانبية أو الوعود الشفهية لا تنفع في هذه الحالة، وأنه يجب أن يكون النص واضحاً بصورة جلية، وأن تكون هناك جهات ضامنة تثق بها «حماس» كما يثق بها الطرف الآخر.
أما المرونة الإضافية، فهي المتعلقة بأن قوات الاحتلال سوف تعمد إلى فتح طريقَي الرشيد وصلاح الدين أمام الناس للعبور بين الشمال والجنوب، ولكنها أبقت على شرط أن لا تشمل حركة العابرين «العسكريين» من دون شرح المقصود بهذه العبارة وكيفية فرز الناس، إضافة إلى استعداد لسحب القوات من كامل القطاع، علماً أن الواقع الميداني الآن، يشير بوضوح إلى أن قوات الاحتلال لم تعد تتواجد سوى في منطقة الوسط، حيث تعمل قوة على ترتيبات ميدانية لمنطقة سوف تُستخدم في برنامج نقل المساعدات، بالإضافة إلى قوات «كومندوس» تدخل وتخرج بناءً على معطيات استخباراتية، بينما الاتفاق يفترض أن يحسم خروجاً نهائياً لقوات الاحتلال وعدم العودة إلى القطاع تحت أي ظرف. أما في ما خص المساعدات، فقد أبدى العدو ما اعتبره المصريون والأميركيون «مرونة» من خلال القبول بإدخال 500 شاحنة يومياً إلى كل مناطق القطاع، وإعادة فتح المعابر الحدودية إلى جانب المساعدات التي يُفترض أن يتم الإتيان بها عبر البحر.
«المرونة» تعكس مأزق قيادة العدو بعد إبلاغها من قيادة الجيش بعدم رفع سقف التوقعات من أي عملية عسكرية في رفح


بالنسبة إلى الجانب الفلسطيني، فإن الخطوة كلها، تعكس المأزق الذي تواجهه قيادة العدو نتيجة فشل عدوانها وإبلاغ قيادة الجيش، المستوى السياسي، بأن لا يكون هناك سقف مرتفع للتوقعات من أي عملية عسكرية إضافية في رفح. كما أن الإدارة الأميركية تريد عقد الصفقة الآن، على أن توفّر لها ما يطيلها لنحو مئة يوم وليس أكثر، من أجل تمرير صفقة «الخطوات الأولية في إعادة بناء الثقة بين السعودية وإسرائيل»، بالإضافة إلى أن الجانب المصري يظهر خشية من انعكاسات سلبية للهجوم على رفح، خصوصاً إذا ما قرّر الفلسطينيون عبور الحدود باتجاه سيناء، علماً أن الأهم، هو أن «إشارات وصلت إلى الإسرائيليين والأميركيين، بأن مفعول التهديد بعملية عسكرية في رفح، قد انتهى، ولم تعد له أي جدوى»، وأن المقاومة في قطاع غزة، «أكملت استعداداتها للمواجهة، وهي مقتنعة تماماً بأن التهديد بعملية عسكرية، لا يجب أن يُقابل بتنازلات في التفاوض».
ومن المتوقّع أن يتوجّه فريق إسرائيلي إلى العاصمة المصرية خلال الأيام المقبلة، للمشاركة في المفاوضات غير المباشرة، علماً أن التحدّي الآن، يبدو أكبر أمام رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الذي يحتاج إلى أن يقرّر سريعاً، إذا ما كان مستعداً لـ«التضحية» بحلفائه في الحكومة من اليمين المتطرّف، مقابل تمرير صفقة تبادل جديدة، تفتح مسار الحرب في غزة، على مرحلة جديدة تماماً. وفي هذا السياق، أتى اتصال الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس، بنتنياهو، حيث بحثا خلاله، بشكل أساسي من بين قضايا أخرى تتعلق بالحرب، عملية رفح وموقف بايدن منها، والمفاوضات الجارية للتوصل إلى صفقة تبادل، إلى جانب وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وكان الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، قد هدّدا علناً، بالانسحاب من الحكومة في حال عدم اجتياح رفح. حيث قال الأخير: «إذا قررتم إلغاء أمر احتلال رفح فوراً (...) فالحكومة التي ترأسونها لن يكون لها حقّ في الوجود». وفي المقابل، هدّد عضو «كابينت الحرب»، بني غانتس، بترك منصبه في «الكابينت»، «في حال تم التوصّل إلى صفقة، بدعم من المستوى الأمني، لا تنطوي على نهاية الحرب»، مشيراً إلى أن «دخول رفح مهم في الصراع الطويل ضدّ حماس، لكنّ عودة المختطفين الذين تخلّت عنهم الحكومة أمر عاجل وذو أهمية أكبر بكثير». أما زعيم المعارضة يائير لابيد، فأشار إلى أنّه «إذا كان الخيار بين وقف القتال في غزة أو إبرام صفقة، فعلينا التوصل إلى صفقة». كما أبدى استعداده لدعم الحكومة في «الكنيست»، وقال مخاطباً نتنياهو: «لديك أغلبية في إسرائيل للتوصل إلى اتفاق (...) وإذا لزم الأمر، اطرد بن غفير وسموتريتش من الحكومة وسأعطيك ما يضمن لك أغلبية في الحكومة».
(الأخبار)