رام الله | يتزايد الصراخ في الداخل الإسرائيلي، كلّما اشتدت حدّة المواجهات على الجبهة الشمالية، حيث نجح «حزب الله» في فرض حزام ناري/ أمني، للمرّة الأولى داخل فلسطين المحتلّة، بعدما كانت إسرائيل تخوض حروبها من دون أن تمسّها هذه الأخيرة في العمق. وإزاء ذلك، يتّهم المستوطنون وأوساط سياسية إسرائيلية، حكومة بنيامين نتنياهو، بالتخلّي عن مستوطنات الشمال، التي باتت تحت سيطرة نيران «حزب الله»، وبالعجز عن مواجهة الأخير، فيما باتت أخبار تلك الجبهة تتصدّر عناوين مواقع الأخبار الإسرائيلية. وفي هذا الجانب، سلّطت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، أمس، الضوء على تطوّرات القتال هناك، معتبرة أن «حزب الله يقول، عبر التصعيد، إنه إمّا القبول بعرض حماس للصفقة والخروج من غزة والاعتراف بالهزيمة الكبرى، أو الاستمرار في حرب الاستنزاف التي ستستهلك إسرائيل وتدفعها إلى الهاوية». وتابعت: «حزب الله يدمّر شارعاً بعد آخر في المطلة... يمكن رؤية الدليل على الوضع الصعب في الشمال في المطلة، فبعد دقائق قليلة من انتهاء أعضاء فرقة الطوارئ في المستوطنة من تناول وجبة العشاء يوم السبت، أُطلقت ثلاثة صواريخ كورنيت على المستوطنة، ما أدى إلى تدمير منزل واحد وإلحاق أضرار بأربعة أخرى».وفي خضم هذه الأوضاع، بدا أن تفاقم السخط على أداء الحكومة، والذي تُرجم بتظاهر المستوطنين شمالي فلسطين، دفع وزير الأمن، يوآف غالانت، إلى زيارة المنطقة، وإطلاق تصريحات من هناك، أعلن فيها البدء في الاستعداد للانتقال «من الدفاع إلى الهجوم» في الجبهة الشمالية، واستكمال مرحلة أخرى لجهة رفع أهلية مستودعات الطوارئ لغرض التجنيد واسع النطاق لقوات الاحتياط. وفي الإطار نفسه، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس، إجراء مناورات عسكرية في الضفة الغربية، هي الثانية من نوعها منذ السابع من أكتوبر، بمشاركة طائرات حربية وآليات كثيرة، وذلك بعد أسابيع قليلة فقط من إجراء مناورة عسكرية في منطقة الجليل الأعلى والساحل الغربي قرب الحدود مع لبنان. ودأبت إسرائيل، في السنوات الماضية، على إجراء مناورات عسكرية في الضفة، وتحديداً في شمالها، استعداداً لمواجهة عسكرية مع «حزب الله»، وذلك انطلاقاً من تشابه الجغرافيا بينهما. لكن يبدو أن حكومة نتنياهو تريد من تلك المناورة، أيضاً، إيصال رسائل إلى المستوطنين بأنها صاحبة السلطة في الضفة، التي جعلتها إسرائيل، منذ احتلالها، ميداناً للتدريبات العسكرية، وتحديداً في منطقة الأغوار، من جهة؛ والإيحاء، من جهة ثانية، بأنها قريبة من التحرّك عسكريّاً في الشمال.
دأبت إسرائيل، في السنوات الماضية، على إجراء مناورات عسكرية في الضفة، وتحديداً في شمالها، استعداداً لمواجهة عسكرية مع «حزب الله»


ويأتي هذا فيما تلقي سيناريوات المواجهة مع «حزب الله» بثقلها على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والتي لا تبدو واثقة من قدرتها على التعامل مع ما قد يلحقه الحزب من ضرر بالمنشآت الإستراتيجية الإسرائيلية. وكان استبق جيش الاحتلال المناورة العسكرية في الضفة، والتي ستتركّز على تحليق المقاتلات الحربية على ارتفاعات مختلفة، بأخرى، قبل أيام، تحاكي حرباً متعددة الجبهات، تضمّنت أيضاً التعامل مع مجموعة كبيرة من السيناريوات، وركّزت على الاضطرابات التي يمكن أن تؤثر على الحياة المدنية، وإمكانية بقاء المستوطنين لمدة طويلة في الملاجئ، والاستعداد لتقديم الخدمات الأساسية لهم. أيضاً، شملت المناورة تدريباً في حال انقطاع التيار الكهربائي وكيفية التعامل مع عواقب هكذا سيناريو، بمشاركة مختلف الوزارات. وقال جيش الاحتلال إن المناورة تلك تشكّل «علامة فارقة في عملية تعزيز جاهزية قيادة الجبهة الداخلية وهيئة الطوارئ الوطنية والوزارات والسلطات الحكومية للتحديات المتوقّعة في حال تحقُّق السيناريوات المختلفة»، في وقت أعلن فيه غالانت تشكيل لجنة عليا لميزانية الطوارئ لتحسين الاستعداد لحرب متعدّدة الجبهات.
وتسعى حكومة نتنياهو إلى تهدئة الغضب لدى مستوطني الشمال، الذين بدؤوا خطوات احتجاجية ميدانية، تخشى السلطات من أن تتّسع لتشكّل، مع احتجاجات عائلات الأسرى، ضغطاً أكبر على الحكومة، خاصة في ظلّ عدم تقديم الأخيرة رؤية أو أجوبة لهؤلاء حول الوضع الأمني المعقّد في الشمال، أو تاريخ عودتهم إلى مستوطناتهم. وفي هذا الإطار، ينوي نتنياهو الاجتماع بقادة بلديات مستوطنات الشمال للمرّة الأولى منذ حوالى أربعة أشهر؛ علماً أن رئيس الحكومة كان قد وعد رؤساء المستوطنات، قبل أشهر، بأنه سيتم، خلال 10 أيام، اتّخاذ قرار حكومي لإعادة تأهيل الشمال والاحتياجات الطارئة بتكلفة 3.5 مليارات شيكل، وهو ما لم يتحقّق بعد. ومنذ ذلك الحين، يتوسّل هؤلاء لقاءً مع نتنياهو، لكن الأخير يرفض.
وعلّق رئيس «المجلس الإقليمي - شلومي»، غابي نعمان، على الاجتماع المرتقب، بالقول: «لقد تمّت دعوتنا الليلة لمناقشة الوضع الأمني مع رئيس الوزراء على أمل الحصول على منظور يعطي إجابات. وسيركّز اللقاء مع رئيس الوزراء على احتياجات السكان حتى نعود إلى منازلنا. سأنقل إلى رئيس الوزراء تذمُّر الجمهور والقلق وعدم اليقين في شأن مستقبل المستوطنات، وخاصة مطالبتنا بالعودة إلى المستوطنات فقط عندما يكتمل الأمن وبعد إخراج قوات الرضوان من الحدود». وأضاف نعمان: «نحن، رؤساء السلطات في الشمال، لم نتلقَّ بعد أيّ معلومات حول الخيارات المتاحة للجيش الإسرائيلي حتى يتمكّن سكاننا من العودة إلى منازلهم آمنين ومحميّين. كلّما سمعت قائدنا في المؤتمرات الصحافية أكثر، يمكنك أن تفهم أن رسائلهم تقلقني، ويبدو أنه ليست لديهم إجابات لتحقيق الأمن المطلق لسكاننا، ويبدو أنّنا مطالبون جميعاً بالتوحّد والاحتجاج بكل الطرق المشروعة على عدم القدرة على التوصّل إلى قرار لهزيمة حزب الله. يجب على الجيش الإسرائيلي أن يتعامل مع المنظمة الإرهابية التي تسعى إلى إلحاق الأذى بنا. أيّ تسوية أو اتفاق مع حزب الله يعني تقوية المنظمة الإرهابية وإضعاف الاستيطان في الشمال».
ومن جهته، اشترط عضو مجلس الحرب، بني غانتس، للبقاء في حكومة الحرب، وضع تصوُّر لعودة مستوطني الشمال إلى منازلهم بحلول أيلول المقبل، لبدء العام الدراسي، وهو ما يطالب به معارضو الحكومة. لكن تلك العودة لن تكون مضمونة طالما بقيت الحرب على غزة من جهة، وأيضاً في ظلّ عدم معرفة حجم الضرر الذي لحق بمستوطنات الشمال التي باتت بحاجة إلى تأهيل.