فماذا فعلت الجمارك وإدارة واستثمار المرفأ طوال 21 عاماً؟
تأخر القيّمون على المرفأ في احتساب الرسوم الجمركية التي وضعوها كشرط لإخراج الحطام من حرمه، ما حوّلها إلى رهينة، وجعل المرفأ نفسه ومحيطه رهينة الخطر المحدق من القذائف غير المنفجرة. وفي وثيقة تعود إلى تاريخ 22 تشرين الاول 2002، طلب وزير الأشغال والنقل الأسبق نجيب ميقاتي بيان رأي من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل لتحديد الوضع القانوني للماعونتين. وجاء في الوثيقة أن الإدارة أخفقت في تبليغ المتعهد عملية التسلم وفقاً للنظام المالي للمرفأ، ولم تتم تصفية حقوق المتعهد بالرغم من أن لجنة التسلم الكبرى في مرفأ بيروت قد أقرت في إحالتها الرقم 12397 بتاريخ 11 تشرين الثاني 1998 بأنه قام بتنفيذ الأعمال المطلوبة منه، وأن اللجنة تقترح مجتمعة الموافقة على عملية التسلم وتصفية البنود المالية المتعلقة بهذه الصفقة. وفرضت الادارة على المتعهد رسوماً على معداته وآلياته المستعملة في الالتزام خلافاً لما نص عليه دفتر الشروط الخاص، وقد دفعها بالفعل. وبعد انتهاء النزاعات القضائية في هذا الالتزام من دون تبيان أي خلل في فسخ عقد المتعهد البريطاني وتلزيم المتعهد «آراب إكسبرس» الذي نفذ الأشغال المطلوبة منه، تقدم الأخير بطلب تصفية حقوقه واسترجاع ما تم استيفاؤه منه من رسوم غير واجبة بنظره. لم تحسم كل من الهيئة والوزارة والجمارك وإدارة المرفأ مصير ذلك الملف حتى عام 2014. حينها، تقدم هاروتيون صوفايان صاحب «آراب إكسبرس» باستدعاء أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، يطلب الكشف على الماعونتين بغية وصفهما بدقة وتبيان سعة أو حمولة كل منهما وطبيعة عملهما وتبيان المعدل التأجيري الشهري لكل منهما. وقد قدّر الخبير المحلف الذي كلفته المحكمة، البدل بـ250 دولاراً عن كل يوم رسوّ في المرفأ وتحميل الحطام البحري (فترة تخزين الخردة المعلنة من كانون الأول 1999 الى حين مغادرتها المرفأ) استناداً إلى ماعونة مشابهة راسية في مرفأ طرابلس، فيما احتسب التعويض للمستدعي عن تجميد الماعونتين المحملتين بالأموال العامة بقيمة عشرة ملايين و500 الف دولار أميركي.
تأخر القيّمون على المرفأ في احتساب الرسوم التي وضعوها كشرط لإخراج الحطام
لم يبت وزراء الأشغال والنقل المتعاقبون والجمارك وإدارة المرفأ الملف، لا من ناحية احتساب الرسوم الجمركية ليدفعها المتعهد مقابل إخراج الحطام البحري من المرفأ ولا من ناحية دفع المستحقات التي طلبها. في هذا الوقت، لا تزال القذائف راسية على الرصيف الرقم 2 وقابلة لتكرار كارثة 4 آب على نحو يعرض السلامة العامة للخطر ويتسبب في هدر الأموال العامة نتيجة تراكم مستحقات صاحب الماعونتين الذي - على الأرجح - سيحكم القضاء لصالحه (أقرّت الوزارة وهيئة القضايا لاحقاً باستحقاقه للبدلات بشرط إعادة النظر في قيمتها). وإزاء هذا التواطؤ والمماطلة بين أطراف القضية، تبرز مخالفات عديدة، بدءاً من تراجع إدارة المرفأ والسماح للمتعهد بإخراج الحطام البحري برغم كونه من الأموال العامة. وفي حال صح قرار السماح بإخراجه، فلماذا المماطلة طوال 22 عاماً باحتساب الرسوم الجمركية، فلا سمح بإخراج الحطام ولا بتفريغ الماعونتين في البحر؟ وفي كلتا الحالتين، ينتفع المتعهد ببدلات تأجير ماعونتيه التي فاقت ثمنهما الذي لم يعد يتجاوز مئة ألف دولار. لكن الأخطر في كل ما تقدم، لماذا تفرّجت الدولة على القذائف الموقوتة التي تهدد السلامة العامة وسلامة المرفأ وحركة الملاحة؟ تفاهة الأداء الرسمي إزاء باخرة نيترات الصوديوم منذ عام 2014، تُبطل العجب.