ليس تفصيلاً أن الوعكة الصحية «العابرة» التي ألمّت بالسفير السعودي وليد البخاري وحالت دون مشاركته في لقاء لجنة السفراء الخماسية مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أول من أمس، «عبرت» سريعاً، ليشارك أمس في لقاء اللجنة مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. بعيداً عن الشكليات التي ليست بلا معنى سياسي، كجلوس البخاري إلى يمين باسيل والإطراء الذي سمعه منه زملاؤه على رئيس التيار وتمنّيه أن يبقى التواصل مستمراً، يبقى أن «الوعكات» من هذا النوع لا تعبُر سريعاً إذا لم يكن ثمة قرار بذلك، علماً أن التواصل بين السفارة وميرنا الشالوحي عمره من عمر زيارة فرنجية لمنزل البخاري في أيار الماضي، وتخلّلته مشاركة رئيس التيار في اليوم الوطني السعودي في أيلول الماضي بدعوة شخصية من السفير. وتؤكد مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» أنه منذ أن قررت اللجنة أن تجول على الأطراف السياسية، لم يتبلّغ التيار بأن البخاري لن يشارك في اللقاء، لكن «فركشة أميركية أثارت جواً إعلامياً أوحى بذلك». وجزمت بأن الزيارة جاءت «بقرار» وفي سياق انفتاح سعودي على التيار.وتنفي المصادر أن تكون لذلك علاقة باتّساع الهوّة بين التيار وحليفه حزب الله. فالعلاقة مع الحزب لم تصل إلى قطيعة أساساً، واللقاءات مستمرة، وآخرها قبل أسبوعين «بين باسيل والحزب» استغرق ساعتين، وكانت أجواؤه «جيدة جداً». أضف إلى ذلك أن التعاون قائم، كما في انتخابات المهندسين التي فاز بها التيار بدعم من ثنائي حزب الله وأمل الأحد الماضي. والتعاون، وفق المصادر، «دي فاكتو» وحالة لا بديل لها. صحيح أن التيار لم يكن ليربح النقابة لولا هذا الدعم، لكن الصحيح أيضاً أن من كان سيربح هو سمير جعجع. بهذا المعنى، كان الربح للطرفين. وهذه المعادلة تنطبق على أيّ استحقاق انتخابي مقبل. لذلك، ليس التعاون بالضرورة مؤشراً إلى تغيّر في المواقف، وخصوصاً لدى التيار الثابت عند التالي:
- رغم أنه يلمس «الجاذبية المستجدة» في أوساط جمهوره للعداء للحزب وتحميله مسؤولية فشل عهد ميشال عون، لن يلجأ التيار إلى هذا «الخيار الشعبي». بعد مقتل باسكال سليمان، رفع مناصرو حزب القوات شعار «حزب الله إرهابي»، ودعا نوابه علناً إلى الأمن الذاتي. في المقابل، وفي محاضرة مغلقة في مركزية التيار في سن الفيل قبل يومين، نبّه مستشار باسيل أنطوان قسطنطين شباب التيار من أن «خطاب الفتنة والتحريض يؤدّي إلى حروب أهلية»، وأكد أن إسرائيل «المتضرر الوحيد من وجود لبنان كدولة موحّدة لأنه يناقض نموذجها»، وشدّد على «الاتفاق على استراتيجية دفاعية وطنية تحفظ جميع عناصر قوة لبنان». الفارق يكمن هنا. جبران باسيل ليس سمير جعجع. الأول «يفضّل أن ينتهي سياسياً على أن ينتهج سياسة التحريض لشدّ العصب المسيحي نحو خيارات متطرفة». الثاني، لا يفوّت فرصة للتحريض، كما في حادثة مقتل سليمان، وينقل عنه زوار موثوقون اقتناعه بأن «هناك ضربة كبيرة قريباً لحزب الله»، وبأن «الإمساك بالشارع المسيحي بدّو 10 - 15 بارودة بمراكز القوات بكل ضيعة».
رسالة باسيل إلى دول مجلس الأمن تطلب تحصين لبنان بقرار دولي يجعل إسرائيل في موقع المعتدي


مع ذلك، ينبغي برأي مصادر التيار أن يقرّ الحزب بخطأ المسار الذي اعتمده في الرئاسة والحكومة وفي الشأن الداخلي، وإلا «كيف نفسّر أن السيد حسن نصر الله نفسه قال في كلمة علنية إن الحزب لن يوافق على تعيينات في ظل حكومة تصريف الأعمال، ثم نعيّن رئيساً للأركان؟».
- لا تغيّر في الموقف من إسرائيل، ومن سلاح المقاومة لحماية لبنان، ولكن ليس من ضمن «وحدة الساحات» وربط الجبهات والمبادرة إلى الحرب، لأن المعادلة المقبلة، كما يراها التيار، «لن تكون كما قبل 7 تشرين الأول بعدما كُسرت كل القواعد السابقة». أما الرسالة التي أرسلها باسيل إلى سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن والدول المشاركة في اليونيفيل فينبغي «أن لا تنقّز أحداً». إذ إن وقف إطلاق النار الذي دعا إليه مجلس الأمن «استثنى لبنان وكأنه يسمح لإسرائيل بمواصلة اعتداءاتها. فيما كان مطلوباً أن يدعو الى تنفيذ الـ 1701، وإذا لزم الأمر تحصين لبنان بقرار دولي لن تلتزم به إسرائيل طالما أن الحرب طويلة على لبنان، بما يجعلها في موقع المعتدي».
- رغم كل التطمينات بأن لا تقريش للتطورات الإقليمية في الساحة الداخلية، يتوجّس التيار من ربط الاستحقاق الرئاسي بالحرب في غزة وانتظار ما ستسفر عنه، «وإذا لم يكن هذا تقريشاً، فكيف يكون التقريش؟».
- لا لانتخاب مرشح رغماً عن حزب الله أو ضدّه أو بمعزل عن رأيه، لكن لا لانتخاب مرشح بالكاد فاز بمقعد نيابي رئيساً بلا مشروع إنقاذي. بالنسبة إلى التيار، «ليس بإمكان حزب الله وأمل فرض مرشحهم على كل المسيحيّين، ولا على الحليف الذي وثق بهم ووثقوا به». مرة أخرى، «إذا كنا ننتظر انتهاء حرب غزة واتفاقاً أميركياً - إيرانياً، أليس هذا تقريشاً لتطوّرات الخارج؟».