لم يكن جيش العدو والجهات المختصة في الكيان، فضلاً عن وسائل الإعلام، قادرين على تجاهل نجاح حزب الله أول من أمس، في استهداف منظومة المراقبة الجوية والكشف الشاملة لسلاح الجو «طال شمايم»، على عمق نحو 35 كلم داخل الأراضي الفلسطينية. وتنبع خطورة الحدث من طبيعة الهدف وحساسيته، والعمق الجغرافي للعملية، ولكونه أيضاً أتى في سياق الرد على عملية اغتيال. ومن المؤكد أن أبعاده العسكرية والاستخبارية والسياسية ستحضر لدى كل جهة في كيان العدو بحسب اختصاصها، خصوصاً بعدما أظهرت هذه العملية مستوى مرتفعاً من القدرات والتكتيكات العملياتية التي تؤشر إلى إمكانية تكرارها والذهاب إلى ما هو أبعد منها، في حال اقتضت الظروف الميدانية والسياسية.
منطاد التجسس الذي دمرته المقاومة غرب طبريا أول من أمس

على مستوى الهدف، تُعتبر منظومة «طال شمايم» أحد أهم مداميك الكشف والإنذار المبكر في منظومة الدفاع الجوي، وتلعب دوراً رئيسياً في بلورة صورة دقيقة وواسعة للنطاق الجوي لإسرائيل ومحيطها، على مديات بعيدة ولمرتفعات منخفضة نسبياً، تتحرك ضمنها الصواريخ الجوّالة والمُسيّرات غير المأهولة. وتمّ تطوير المنظومة بالاشتراك بين الصناعات الأمنية الإسرائيلية ووكالة الدفاع الأميركية ضد الصواريخ (MDA). وفي إشارة إلى ما تتمتع به هذه المنظومة من دور جوهري في منظومة الاعتراض الجوي الإسرائيلي على المستوى الإقليمي، أقيمت مراسم تسلّمها، في 23 آذار 2022، بحضور قائد سلاح الجو اللواء عميكام نوركين ورئيس وكالة الدفاع الأميركية ضد الصواريخ، الأدميرال جون هيل ورئيس مديرية «حوما/ حيتس» موشيه فتال وقائد منظومة الرقابة والإشراف على الطيران العقيد «أ».
ووفق التحقيقات التي أجراها جيش العدو، نجحت مُسيّرة لحزب الله في التملص من أجهزة الرادار والكشف، وحلّقت لعشرات الكيلومترات في سماء الشمال وصولاً إلى هدفها حيث انفجرت داخل موقع منطاد الإنذار التابع لسلاح الجو غرب طبريا.
وفي عمليات التقييم التي تداولها من هم على صلة بالمؤسسة العسكرية، اعتُبر الفشل خطيراً ومركّباً في أبعاده ونتائجه، لجهة العمق الجغرافي والهدف الحساس، ولجهة عدم نجاح الجيش في ردع حزب الله عن هذا المستوى من الضربات. لذلك طُرحت تساؤلات قاسية أمام سلاح الجو حول المرحلة التي نجح فيها حزب الله في تطوير وامتلاك هذا المستوى من المُسيّرات المتنوعة، والتي لم يُستخدم منها حتى الآن المُسيّرات الأكثر تطوراً، وكذلك حول عدم امتلاك الجيش قدرات تتلاءم مع حجم هذا التهديد.
والأبلغ دلالة وخطورة في هذا السياق أن استهداف منظومة الكشف الأكثر تطوراً عزّز التساؤلات والمخاوف في جيش العدو حول وجهة حزب الله وما الذي يستعدّ له، خصوصاً أن العملية تُوّجت سلسلة من الضربات الناجحة لأجهزة الرصد والكشف والكاميرات عند الحدود، وبعد الضربات المتكررة لوحدة الرقابة الجوية في ميرون، وإثر العملية المركّبة التي أدّت إلى ضرب منظومة المنطاد في أدميم. فمن الواضح أن القاسم المشترك بين كل هذه الضربات أنها تهدف إلى إعماء جيش العدو. ولذلك، في أي عملية تقدير وضع، من المُسلَّم به أن هذا المسار سيوضع ضمن إطار تحضير مسرح العمليات لسيناريوهات أكثر خطورة، سواء من موقع المبادرة أو الرد. ولذلك تنطوي العملية على رسائل وأبعاد استراتيجية في هذا الاتجاه.
عملية طبريا تضع العدو أمام خيارين: الارتداع عن سياسة الاغتيالات أو تكرارها ضمن هذا السقف وأعلى


وليس أقلّ دلالة أن العملية تزامنت أيضاً مع المنعطف الحاسم الذي تدحرجت إليه الحرب، وأصبحت بين خيارين: إما الغرق في حرب استنزاف مفتوحة، أو التكيّف مع النتائج الحالية. وانتقال الانقسام بين المؤسسة الأمنية ممثّلة بوزير الأمن يوآف غالانت ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى العلن حول مستقبل الحرب والخيارات البديلة. في هذا المنعطف تميّزت ضربة حزب الله، وما سيعقبها، بالارتقاء النوعي في طبيعة الهدف والنطاق الجغرافي والوسائل القتالية، وهو ما يدرك العدو رسائله بأن التأسيس لهذا المستوى من الردود يضعه بين حدين: إما الارتداع عن سياسة الاغتيالات التي تعمّق تقييده وترفع من مخاطر الضغوط عليه، أو الإصرار على هذا المسار بما يدفع حزب الله إلى تكرار العمليات ضمن هذا السقف، بل وأعلى كماً ونوعاً. لذلك، من أهم الرسائل والنتائج التي ستحضر على طاولة القرار السياسي والأمني، أن تبنّي خيار الاستنزاف المفتوح كما يُلوّح به نتنياهو سيُقابله مزيد من الضغوط والارتقاء في سقوفها وأدواتها.



المقاومة تزجّ بمُسيّرات مسلّحة في المعركة
أدخَل حزب الله إلى ميدان المواجهة مع العدو الإسرائيلي مُسيّرات هجومية مسلّحة بالصواريخ، في كشْف جديد عن قدرات نوعية في إطار مسار الارتقاء النوعي المتواصل منذ نحو أسبوعين.
وأعلن الحزب، أمس، استهداف موقع المطلة ‏وحاميته وآلياته بمُسيّرة هجوميّة مسلّحة بصاروخي «‏S5‌‏»، مشيراً إلى أنه «عند وصول المُسيّرة إلى النقطة المحدّدة أطلقت أحد صواريخها على إحدى آليات العدو والعناصر حولها،‎ ‎فأوقعتهم بين قتيل وجريح، ثم أكملت انقضاضها على الهدف المحدد وأصابته بدقّة». وذكرت القناة 12 أن «الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبة في التعامل مع مُسيّرات حزب الله التي تسببت في قدر كبير من الخسائر والأضرار». ولفتت إلى «تحرك مزعج للغاية للحزب الذي يحاول تعمية نظام المراقبة التابع للجيش في الشمال».
ورداً على ‏اعتداءات العدو الإسرائيلي على منطقة البقاع، ليل الأربعاء، شنّ حزب الله هجوماً بأكثر من 60 صاروخ كاتيوشا على قيادة فرقة الجولان ‌‏210 في نفح وثكنة الدفاع الجوي في كيلع وثكنة المدفعية لدعم المنطقة الشمالية في يوآف.‏‏ كما ردّ على ‏قصف العدو منشآت صناعية في منطقة البقاع، بهجوم بمسيّرات انقضاضية على مصنع في شمال كريات شمونة ‏مُتخصص في إنتاج المنظومات الإلكترونية لجيش العدو. ‏
وقصفت المقاومة تجهيزات ‏تجسسية في كل من تلة الطيحات وثكنة ‏زرعيت ومواقع جلّ العلام وراميا وعداثر وجل الدير، فضلاً عن استهداف موقعي المرج والسمّاقة في ‏تلال كفرشوبا، وانتشار لجنود ‏العدو الإسرائيلي في محيط موقع جل العلّام.‏‏
ونعى حزب الله الشهيدين علي فوزي أيوب من بلدة عين قانا في الجنوب، ومحمد حسن علي فارس من منطقة الغبيري.