في حمأة صراع سياسي واجتماعي، اغتيل الزعيم الشعبي معروف سعد في السادس والعشرين من شباط عام 1975. هذا الاغتيال كان الشرارة الأولى لانفجار الحرب الأهلية في الثالث عشر من نيسان من العام نفسه. اليوم تشخص الأنظار إلى صيدا «خوفاً عليها ومنها». فهل تنطلق الفتنة مجدداً من مدينة «العيش الطبيعي» كما يسمّونها؟
الغليان هذه المرة ليس اجتماعياً أو معيشياً أو وطنياً، بل هو غرائزي يحاكي العصبيات واللاعقل، ومعنى ذلك أن البلد كله في «عصفورية مجانين»، بحسب الصناعي الصيداوي محمد الهبش. «الشيخ أحمد الأسير لا يمثل حالة شعبية وازنة، ولا حتى رقماً في معادلة المدينة. وعصبيته الزائدة نفّرت نفراً من مريديه»، قالها شيخ أزهري قبل أن يضيف: «أصلاً نجمه بدأ بالأفول لولا التغطية الإعلامية ولعبة بعض الأجهزة الأمنية». وفيما يرى الأزهري أن «البلد يرقص على صفيح العصبيات»، يعتقد صيداويون أن «الفتنة يصنعها متهورون وطائشون ومتآمرون، وهي ليست بحاجة الى عباقرة أو إلى جماهير شعبية واسعة». «سعار مذهبي وتحريض غير مسبوق ضد المقاومة والشيعة قد يوقظ الفتنة غير النائمة أصلاً»، هكذا عبّر هؤلاء عن استيائهم من الانعكاسات السلبية لقطع الطريق على مصالح المدينة الاقتصادية والتجارية.
صاحب محل حلويات عند نهر الأولي، أشار الى خسائر تصل الى نحو «أربعة آلاف دولار في اليوم الأول من قطع الطريق والاعتصام المفتوح. ويقول: «من دون دف عم نرقص، وشو جاب العفاريت ع صيدا؟».
«يوم جمعة» الكورنيش البحري لم يكن كسابقيه. شغرت المقاعد من الوافدين من مناطق لبنانية «لا البيارتة حضروا، ولا الجنوبيون شرّفونا». الخوف سيد الموقف، ومعه لم يجد أبو السعيد بائع القهوة المتجول عند الكورنيش إلا «طقطقة فناجينه النحاسية» وتوصيف واقع الحال: «قهوة مرة، مؤامرة مستمرة». ويوضح «مؤامرة تصفية المقاومة»، قبل أن يضيف: «مؤامرة كمان ع جياب الناس، مش مطلّع أنا إلا عشرة آلاف ليرة».
هل وصلت الأمور في المدينة إلى حائط مسدود وبات الجميع في مأزق؟ سألت مراسلة أجنبية. فصيدا تحولت إلى مركز استقطاب إعلامي محلي وعربي ودولي.
وبينما أثار تصريح محافظ الجنوب بالوكالة، نقولا أبو ضاهر، الذي أهدى الشيخ الأسير علبة حلويات، «إن مطالب المعتصمين محقة»، تساؤلات عن معنى أن يقول ممثل الشرعية اللبنانية كلاماً كهذا، وصفت مصادر متابعة اجتماع الفاعليات والهيئات الصيداوية في بلدية صيدا لـ«الأخبار» بأنه غير ناجح و«بالحركة دون البركة، وهو لم يحسم موضوع رفع الاعتصام ولا دعا إلى مسيرة شعبية منددة بقطع الطريق، كما تردد سابقاً، ولم يؤمن إجماعاً للسلطات الشرعية لأخذ دورها». قبل أن يجف حبر بيان الفاعليات، كان الأسير يقول «ينقعوه ويشربوا ماءه. لن نغادر الميدان».
أدار اللقاء مفتي صيدا ومنطقتها الشيخ سليم سوسان، الذي شرح للحضور أن الأسير نفسه «ضد أي فتنة مذهبية أو طائفية، ويريد أن يعيش في الوطن بحقوق متساوية وحريص على المدينة وأهلها، ولم يقل ما يسيء إلى ثوابتنا». أما بالنسبة إلى سوسان، فهو حريص على الجوار في حارة صيدا وشرقيها، لكنه يريد أن يسمع صدى للنيات الصادقة من هناك. أما الرئيس فؤاد السنيورة الذي جلس في مقعد المفتي برضاه، متصدراً اللقاء، فقد تشارك مع الأسير في مطلب نزع السلاح ومرجعية الدولة، لكنه رفض أسلوب التعبير عن الرأي بقطع الطرقات. ودعا إلى «ألا ننجر إلى ممارسة ما قد يمارسه البعض من حملة السلاح ومن المتطاولين على القانون والمؤسسات». ودعا الى أن تكون صيدا مدينة مفتوحة ومعبراً لكل الناس.
دار المذياع دورة طويلة على محافظ الجنوب وممثلي الطوائف والمذاهب والجماعة الإسلامية وتيار الفجر والتيار السلفي والدكتور عبد الرحمن البزري. ولما وصل إلى إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود، طالب بموقف حازم، لافتاً إلى أن ما يمنع القوى الأمنية من أن تقوم بعمل مطلوب منها هو اتخاذ المعتصمين الأطفال والنساء دروعاً بشرية، واصفاً قطع الطريق بأنه من عمل قوم لوط. كما شارك اثنان من أصحاب المؤسسات التجارية المجاورة لمكان الاعتصام، واللذان رفضا تحرك الأسير. واقتصر حضور الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري على الشكل، من دون تسجيل تصريح، باستثناء همس مقتضب مع سوسان، في ظل استمرار غياب والدته النائبة بهية الحريري عن المشهد الصيداوي لوجودها في نيويورك. اللقاء المتخم بالتصاريح أثمر بياناً مقتضباً سمّي «إعلان بلدية صيدا»، دعا إلى التمسك بالعيش المشترك وبالدور الوطني اللبناني والعربي الجامع للمدينة، وإلى فتح كل الطرق وعدم اللجوء الى هذا الأسلوب في المستقبل.
النائب أسامة سعد، الذي قاطع اجتماع البلدية، قال لـ«الأخبار»: «لسنا بالمتخلين عن واجباتنا، لكن حيثما السنيورة فمعنى ذلك أن فخاخاً تنصب، وليتحمل السنيورة وتيار المستقبل تبعات تأجيجهم للمناخ الطائفي والمذهبي في مدينة صيدا، وهو فعل مارسوه منذ سنوات. وعندما ترشح السنيورة للانتخابات النيابية، قلنا إنها أبعد من انتخابات، والله يستر من فتنة مذهبية». وذكّر بشعار وصفه بالعنصري نادى به المستقبليون وهو «صيدا لأهلها». ولفت سعد الى استهداف هيبة الدولة ومواصلة «مسلسل هرهرة الدولة»، وقال: «الدولة فاقدة للخصوبة وتتمرجل على الناس المعتّرين، وإن القوى الأمنية تحولت الى شرطي ينظم الاشتباكات المسلحة التي تحصل في مناطق لبنانية وإلى صمام أمان للمخلين بالأمن والمتقاتلين وقطاع الطرق». يقدم سعد قراءة عن موقع صيدا «الجيو سياسي» فهي «تحتضن أكبر المخيمات الفلسطينية وعاصمة الجنوب، وفيها تنوع سياسي وديني وطائفي». لهذا «عين المتآمرين تشخص الى صيدا، مؤكداً بقاء المدينة مقراً وممراً «للمقاومة ضد إسرائيل»، أكانت مقاومة فلسطينية أم وطنية لبنانية أم إسلامية.
من جهته، شكا رئيس جمعية تجار صيدا وضواحيها، علي الشريف، لأسامة سعد واقع الحال «الأسواق فارغة وأصحاب المحال يشعرون بخطر اقتصادي داهم آتٍ عليهم». اقتصاد معطل وخطاب تهديد «أسيريّ» بالتصعيد، دفع بالفاعليات الاقتصادية والتجارية والصناعية في المدينة إلى الاجتماع، محذّرةً من «أن ارتفاع منسوب الخطاب الطائفي والمذهبي على نحو غير مسبوق وغير مألوف في المدينة قد أضر بالوضع التجاري والاقتصادي».
مشهد صيداوي مثقل بهموم وهواجس، دفع معظم أهل المدينة، من سياسيين واقتصاديين وعامة الناس، إلى التعبير عن أن «الوضع الراهن ألحق أذية كبيرة بالمدينة». العيون والهواجس تتجه صوب الطريق البحرية «فإذا بقيت مفتوحة، فلا مشكلة، أما إذا فعلها الأسير وقطعها (ويتشكك كثيرون بذلك)، فهناك مشكلة كبيرة»، بحسب مصادر صيداوية تتخوف من أن تؤدي خطوة مماثلة إلى أزمة كبرى في لبنان.
سليمان: لمنع قطع الطرق
في قصر بعبدا، تابع رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، مع رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، ووزير الداخلية والبلديات، مروان شربل، والمسؤولين المعنيين الوضع الأمني، واستدعى كلاً من قائد الجيش والمدير العام للأمن العام والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، مشدداً على «وجوب منع قطع الطرق، كون ذلك يخرج عن مفهوم التعبير السلمي ويعرقل أعمال المواطنين ومصالحهم وأرزاقهم»، لافتاً الى أن «أي مطلب أو موقف يمكن التعبير عنه من دون اعتماد وسائل تلحق الضرر بالآخرين». وقال بعض زوار سليمان لـ«الأخبار» إن رئيس الجمهورية أبلغ القادة الأمنيين بضرورة العمل على فتح طريق صيدا خلال اليومين المقبلين «بالحسنى».
10 تعليق
التعليقات
-
اقصوصةالاسير ليس الا اقصوصة قروبة خاتمتها بوضعها على رف الزمن لياءكلها غبار النسيان
-
صرخة بوجه الظلماصرخ بوجه كل ظالم اراد لهذه الامة الهوان اصرخ بوجه كل معتدي اراد لهذه الامة الخذلان ... اصرخ وانادي كل انسان شرب من ماء هذا الوطن ان ينهض ويدافع عن لبنان ويخلصه من مخاب الطغيان .بالامس العدو الاسرائيلي وازلامه في لبنان اعتدو على شعبنا وارضنا واليوم الشيخ السجين ( سجين افكاره التكفيرية) يحاول ان يعتدي على كرامة امتنا ، وغداً لنعرف من سيلقي علينا سمومه واحقاده ليخدم بها اعداء هذا الوطن ولكننا سنقول عن حق كما قال الامام الحسين هيهات منا الذلة ) فالشعب الذي ينبت رجال اغزاء شرفاء هزموا العدو الصهيوني امثال السيد حسن الله يحفظه لايهزم ولاينكسر واما بالنسبة للسجين بكرا بس يخلصوا لمصاري لقبضها ليعمل هل الفتنة بيرجع لحجمه الطبيعي .وفي النهاية رحم الله الامة من جهل وشر عباده
-
من يتعامل مع الاسير عميل لاسرائيل بطريقة غير مباشرةالاسير ليس سياسيا و انما اداة تستعملها قوى خارجية من اجل مآرب سياسية فهو شخصية مغرورة يحب الظهور و سريع الغضب اما السياسي المحنك يكون صبورا يستطيع تحليل الامور بطريقة ذكية و بهدوء تام. يستغل الدين من اجل الحصول على اصوات من يعتبرون انفسهم مظلومون و مضطهدون و يعتقدون بان الاسير هو المنقذ الوحيد و لا يعلمون الى اى طريق وعر يأخذهم.الاسير يتعامل مع دولة اقليمية تصب فى مصلحة العدو الاسرائيلي و امريكاو و المصيبة انه على علم تام بهذا الامر لكنه يستغل الدين من اجل تثوير الاسلاميين فى صيداو غيرها.
-
سوال بسيطعنجد انتو أبتستحوا من هيك بلد هيدا بلد ولاارطة عالم
-
جاهل يسئل عقالالى كل من يتابع الإعلام والصحافه بشكل عام أنظروا الوجوه بالصوره اعلى المقال أسألكم هل البلاد التي حلت فيها هذه الوجوه بقت عامره ومزدهره او دب فيها حياة ام كان مصيرها الخراب والدمار وإزدياد الجهل وألاميه?
-
في حضره.... غياب الأمن والاستقرارلا بد من الحذر ، فإقفال بوابة الجنوب ليس بالأمر السهل، وخاصةً في ظل هذه الظروف التي يعيشها لبنان اليوم . لا بد من التحرك السريع وإلا تفاقم الوضع أم اعتادت دولتنا اللبنانية أن تستفيق لحل المشكلات بعد فوات الأوان
-
الدولة اللبنانية بين الاسد والارنبمن الملاحظات العامة حول ظاهرة احمد الاسير انها انتقائية الاهداف حيث انها من بين كل مشاكل الامة و مصائبها لا تركز الا على ما يثير فتنة بين الشيعة والسنة,و قد تكون نشأت بعد قناعة الاستخبارات العربية :أنه هما اختلفت مشاربهم السياسية ,في اللحظة الحاسمة لا يتركون بعضهم و مع حاجة هذه الجهات الى نقطة اشتباك وتوتر مع الشيعة حتى يبقى موضوع الفتنة حاضر بثقله على الساحة ولا يحتاج الى مرحلة تمهيدية. ولعل اكثر من يخدم هذه الظاهرة هو اسلوب تعامل الدولة معها حتى نكاد ان نظن ان هناك اهداف مشتركة على الاقل مرحليا بين الاسير والدولة و كلما طالت هذه الازمة كلما استفاد الاسير وكلما كانت الازمة عرضة لتدخل اطراف ما انزل الله بها من سلطان ول نعرف لماذا حتى الان لم تتدخل فرق مكافحة الشغب و تفرق الجموع بخراطيم الماء والاخطر هو ارساء هذه القاعدة انه طالما ان المقاومة تحتفظ بسلاحها يمكننا ان نفعل اي شيء في الداخل ولتحافظ الدولة على سلمها الاهلي عليها ان تخسر هيبتها لذلك نسأل هل أسود طريق المطار هم نفسهم ارانب اوتوستراد صيدا.
-
صيدا تتبرأ من الأسيرإنه لشيء طبيعي أن تتبرأ صيدا من أحمد الأسير وفعله الفتنوي. السؤال هو، لماذا لم يعتقل إلي الان هذا المفتن؟ لقد خرّب الطرقات (سلمياً)، وقطع أرزاق الناس. إلى متى هذا التخاذل بحق الوطن. في أي دولة تحترم نفسها، القانون يحمي الجميع. آذا أراد هذا المفتن أن يتظاهر ويعترض وهذا حقه، لا يحق له بقطع الطريق. من يفعل هذا يسأل أن يترك الطريق، وإذا لم يفعل يسجن. هل في لبنان دولة تحترم نفسها وتسجن هذا المفتن. علمنا أن الأسير هو بائع خضار في صيدا، هل هذا الخبر صحيح؟ شكراً لكم. ودمتم، الحاج وائل
-
الامن المفقودسوءالي للقوى الامنية لماذا كان الامن ممسوك في الشوارع ايام الرئيس اميل لحود ولماذا فجاءة اصبحنا كمن يعيش في عصفورية من الفلتان الامني
-
حركة مشبوهة انها السياسة الممنهجة من الاسير ومن يقف وراءه من زعماء صيدا و الخليج لضرب ابناء الجنوب ببعضهم الصيداويون ابناء واحفاد معروف سعد يقراؤن السيا سة جيدا كما يقراءها الاغلبية الساحقة من اهل السنة على كامل الارض اللبنانية بان السياسي لا يتاخر عن تفجير الوضع الامني من اجل مصلحته الانتخابية او من اجل مشروع مرتبط به خارجيا و مقبوض الثمن يسفرون ابناءهم الى الخارج و يطيحون بامن العباد وارزاقهم والساكت عن هذه الظواهر البشعة المنتشرة في واقعنا الاسلامي و تشوه الاسلام والمسلمين لماذا انزل النساء اين كانوا في حرب 2006 و حين قتل اطفال غرة من يحاول اللعب بامن صيدا يخدم العدو الصهيوني وبما ان طلب الاسير يخدم المصلحة الاسرائيلية فابشره اغلبيتنا اهل السنة مع المقاومة لان اسرائيل وطائراتها لم تمطر علينا الحلوى بل القنابل والدمار وسجل انا عربي من الزمن حيث كانت الكرامة العربية حاضرة فينا قبل ان يحضر زمن التصهين