بات في حكم المؤكّد أنّ أصحاب الفندق اتّخذوا قرارهم ببيعه
ثم تشير إلى غرفة كمال أتاتورك مشفوعةً بمقدمة قصيرة «ما بدي أفتخر فيها طبعاً، بس هي موجودة، والسياح الأتراك كانوا يهتموا فيها كتير». نسأل: «أي الغرف تحبين؟» فتشرد، نضيف: «جميعها باستثناء غرفة أتاتورك؟»، لتجيب بحماسة «إيه». تنام تاشجيان حاليّاً في «الجناح الرئاسي/ رقم 213»، الذي استقبل كثيراً من الزعماء والمشاهير (من العرب: جمال عبد الناصر الذي ألقى كلمة من شرفته عام 1958، وحافظ الأسد حين كان وزير دفاع، والحبيب بورقيبة، وزايد آل نهيان، وإبراهيم هنانو، وفارس الخوري) وغيرهم الكثير. أقامت هنا أيضاً العائلة الملكية السويدية عام 1936 في طريقها نحو الهند، وشارل ديغول، وتيودور روزفلت، ورائد الفضاء الروسي يوري غاغارين، ورائدة الفضاء الروسية فالنتينا تيرشكوفا، والملياردير الأميركي ديفيد روكفلر، إلخ، إضافة إلى عدد كبير من الكتّاب العالميين (الإنكليزية أغاثا كريستي، الأميركي الأرمني وليام سارويان، الإنكليزية فريا ستارك...). كذلك استضاف الفندق العالم الإيطالي باولو ماتييه، والعالم البريطاني جورج سميث (مكتشف اللوح السابع من «ملحمة جلجامش»). مات سميث في الفندق، ودفن في «مقابر اللاتين» في حي الشيخ مقصود.
موجز تاريخ «بارون»
عام 1868 مرّ كريكور مظلوميان بحلب (في طريقه إلى الحجّ في القدس) محمّلاً برصيد من الانبهار المسبق، بفعل ما سمعه وقرأه عنها. وقع الرجل في غرام المدينة بالفعل، لكنه فوجئ بعدم وجود فنادق فيها (كان المسافرون حتى ذلك الوقت ينزلون في الخانات). بعد سنوات، عاد مظلوميان إلى حلب، وافتتح «فندق أرارات» في «حي الجلّوم» الذي تكوّن من 12 غرفة، وهو أوّل فندق في حلب وواحد من أوائلها في سوريا. لاحقاً، واصل ولداه (أرمين وأونيك) المسيرة، وافتتح كلّ منهما فندقاً: «العزيزية بالاس»، و«أليبو بالاس». في عام 1906 ومع سريان أحاديث عن اقتراب افتتاح خط «برلين ــــ بغداد» الحديدي الشهير، قرر الأخوان بناء فندق ضخم على الطراز الأوروبي. اشتريا الأرض عام 1907، وأنجزا الطبقة الأرضية عام 1909، ثم الطبقة الأولى عام 1911، وافتتحا الفندق رسميّاً. وفي أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، أضيفت الطبقة الثالثة. شهد الفندق الحربين العالميتين، العثمانيون والألمان والإنكليز والفرنسيون مروّا من هنا، وفي عام 2012 بدأ العد العكسي لمسيرته الحافلة. نسأل تاشجيان «هل لديك فكرة عمّن يمكن أن يشتري الفندق، أو ما قد يفعله به؟»، لكنها لا تملك جواباً. تخبرنا أنّها مشغولة في الفترة الحالية بالتجهيز لإقامة معرض يوثّق تاريخ الفندق، ويعرض مقتنياته.
العاشقة
الحماسة التي تصبغ حديث تاشجيان عن «بارون» لا تتوقّف عنده، بل تتعدّاه إلى كامل مدينة حلب. تقارن بينها وبين دمشق، وترى أن حلب كانت أكثر انفتاحاً بفضل طبيعتها الكوزموبوليتية. تقول «دمشق كان فيها شدة أكثر، يمكن لأنها كانت عاصمة الأمويين، واستمرّت عاصمة لسوريا. في حلب، كان عدد المسيحيين أكبر، وعدد اليهود أكبر، وتداخل الثقافات أكبر». وتضيف «كان يجب أن تكون دمشق هي عاصمة الثقافة الإسلامية، وحلب عاصمة الثقافة العربية». نقول «واضح أنك تحبين حلب»، فتجيب «أنا أحب سوريا كلها، نحن وطنيون. نحن الأرمن خسرنا وطناً في زمن مضى، لذلك نعرف تماماً قيمة الوطن، وسوريا وطني».